الناس. فهذا قوله:«ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» ! ونظرة الأستاذ الإمام هنا، قائمة على أن الإنسان فى حال التذاجة والبدائية كان خيرا منه فى حال الحضارة والمدينة، أو بمعنى آخر، أنه كان فى حياة الغابة بين الحيوان، لا يتكلف لحياته أكثر ممّا يتكلّف الحيوان، حيث يأكل مما يأكل الحيوان، ويسكن فى كهوف، وأجحار كما يسكن الحيوان- كان فى هذه الحياة خيرا منه فى حياة المدن، وما ولّد له عقله فيها من قوّى سخّر بها الطبيعة، واستخرج منها كنوزها المودعة فى كيانها، وأمسك بمفاتح أسرارها، فاستضاء بالكهرباء، واتخذ الهواء مركبا له، بل وصعّد فى السماء حتى وضع قدميه على القمر، وهو بسبيل أن يضع أقدامه على الكواكب الأخرى!! ولو صحّ هذا الذي يقوله الأستاذ الإمام، لكان معناه أن الحياة الإنسانية تسير إلى الوراء، وهذا ما لا تسير عليه الحياة، ولا ما تقتضيه سنّة التطور فى الكائن الحىّ نفسه.. فالإنسان بدأ من طين، ثم صار خلقا سويّا، فى أطوار ينتقل فيها من أسفل إلى أعلى.. من التراب، ثم النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة.. ثم.. ثم.. إلى أن يكون طفلا، ثم غلاما، ثم شابّا، ثم رجلا.. كذلك الشأن فى عالم النبات.. البذرة، ثم النّبتة، ثم الشجرة، ثم الدّوحة العظيمة.. وهكذا.. حتى فى عالم الجماد.
وإنه لأولى من هذا أن تكون هذه النظرة مقصورة على الأفراد فى أنواعها، لا على الأنواع فى أفرادها، بمعنى أن الأفراد تدور فى فلك محدود يكون لها فيه شروق وغروب، وصعود وهبوط، وازدهار وذبول، ونضج وعطب.. أما الأنواع- مع ما يقع فى أفرادها من تحول وتبدّل- فهى سائرة إلى الأمام أبدا، متطورة إلى ما هو أحسن وأكمل.. وشاهد (م ١٠٢- التفسير القرآنى ج ٣٠)