ثم إنه من جهة أخرى- إذ يجمع ما يجمع من مال- حريص على أن يدفع عن هذا المال كل عادية يراها بأوهامه وظنونه، فهو لشدة حرصه على ما جمع، يحسب أن كل الناس لصوص يريدون أن يسرقوه، أو قطاع طرق يتربصون به.. وهو لهذا يرمى الناس بكل سلاح، ويطعنهم بكل ما يقع ليده.. وكأنهم متلبسون بسرقة ماله الذي جمع!! ثم هو من جهة ثالثة، حريص على أن يقيم له من هذا المال الذي جمعه، سلطانا على الناس، لا بما ينفق عليهم منه فى وجوه الخير، ولا بما يمدّ به يده إليهم من معروف، بل بما يرى الناس من غناه وكثرة أمواله.. وهو لهذا يعمل على إعلاء نفسه بهدم غيره، والحطّ من منزلته.. وهذا هو الإنسان فى أسوأ أحواله، وأخسّ منازله.. إنه لا يسمو بذاتيته، ولا يرتفع بسعيه فى وجوه الخير والفلاح، بل إنه يرتفع على حطام الناس، ويعلو على جثث ضحاياه، الذين يريق دمهم بهمزه ولمزه.
وهذا هو السرّ- والله أعلم- فى الجمع هنا بين الهمزة، اللّمزة، وجامع المال ومكتنزه.
فالهمز واللمز، وإن كان طبيعة غالبة فى الناس من أغنياء وفقراء، إلّا أنه عند الذين همّهم كلّه هو المال، يعدّ سلاحا من الأسلحة العاملة لهم فى جمع المال، وفى حراسته، وفى التمكين لهم من التسلط على الناس به.
وعدّد المال: جمع بعضه إلى بعض فى صفوف مترصّة، وفى صنوف متعددة، كل صنف منها يأخذ مكانا خاصّا به، فهذا ذهب، وذاك فضة، وذا جواهر ولآلىء، وتلك أنعام وزروع، ورياض، وهذه دور وقصور، وأثاث ورياش، إلى غير ذلك مما يعدّ من عالم المال، ويحسب بحسابه.