وقوله تعالى:«وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» هو دعوة إلى من بيده مال السفيه، أن يرزقه منه، ويقضى مطالبه، من سكن وطعام وكسوة، وغير ذلك مما يضمن له حياة مستقرة، فى حدود ما يتسع له ما له، إذ أصبح ولا مال بين يديه.. فالعدل يقضى بأنه إذا حرم التصرف فيما يملك، ألا يحرم الانتفاع مما يملك! وفى قوله تعالى:«وَارْزُقُوهُمْ فِيها» ما يشير إلى أن يكون الإنفاق عليهم من صميم مالهم، لا من حواشيه، بمعنى أن ينفق عليهم بالقدر الذي يسمح به ما لهم ويتسع له..
فكلمة «فيها» ظرف يحتوى المال كله، ويشتمل عليه.. ومن هذا المال كله يكون الإنفاق على السفيه.. ولهذا عدل القرآن عن التعبير بكلمة «منها» بدل «فيها» التي جاء عليها النظم القرآنى.. إذ أن «من» تفيد التبعيض بخلاف «فى» التي تفيد الإحاطة والشمول.
وقوله تعالى:«وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» أدب سماوىّ، يوصى به الله سبحانه الأوصياء الذين يقومون على أموال السفهاء، أن يلطفوا بهم، ويوادّوهم، ويلقوهم بالكلمة الطيبة، التي تطيب خواطرهم، وتنزع من صدورهم مرارة الألم الذي وجدوه فى انتزاع ما فى أيديهم من مال..
فالذى أخذ به هؤلاء السفهاء من انتزاع أموالهم من أيديهم، هو عدوان عليهم، اقتضته المصلحة بهم، وبالمجتمع.. وإنه لكى يطبّ الإسلام لهذا الداء، وحتى لا يعالج الداء بالداء، دعا إلى هذا الأدب الرفيع العالي، الذي تطيب به نفوس هؤلاء المرضى، وتسلّ به السخائم من قلوبهم، وذلك طب سماوى تتم به تلك العملية الجراحية فى مشاعر الإنسان ووجدانه. دون ألم!