فهذا المال الذي يبذلونه لمن حضر القسمة من هؤلاء المذكورين فى الآية، هو شىء قليل، متروك تقديره للورثة أنفسهم، ولداعى الخير عندهم، خاصة فى هذا المشهد الذي يذكرهم بالموت، وما وراء الموت.. الأمر الذي من شأنه أن تلين له القلوب القاسية، وتسخو فيه الأبدى الشحيحة! وانظر إلى تدبير الله، وإلى تقديره فى هذا الأمر..
(فأولا) الشرط الذي يستحق به هؤلاء المذكورون فى الآية- شيئا من التركة، هو أن يكونوا بمحضر من قسمة التركة، سواء أكان هذا الحضور واقعا أو حكما، بمعنى أن يكونوا فى مجلس القسمة، أو على علم به، لقربهم منه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ..»
(وثانيا) القدر المطلوب لهؤلاء المذكورين من مال المتوفّى هو متروك لتقدير الورثة، وما تفيض به مشاعر الخير فى نفوسهم.. وهذا ما يشير إليه قوله سبحانه:«فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ» فهذا الرزق الذي يرزقونه هو من بعض هذا المال ومن حواشيه لا من صميمه، حتى لا يتأذّى الورثة بالعدوان الجائر على نصيبهم، وهذا على خلاف ما جاء فى الدعوة إلى الإنفاق على «السفهاء» من مالهم الذي فى أيدى الأوصياء، حيث قال تعالى:«وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ» .
وفى قوله تعالى:«وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» دعوة إلى الإحسان بالقول، بعد الإحسان بالعمل.. فالكلمة الطيبة هنا تسدّ النقص الذي قد يستشعر به من يصيبهم شىء من هذا المال الذي بما يراه بعضهم قليلا إلى جانب ما ذهب به الورثة من الميراث.
وبهذا، وذاك تطيب النفوس، وتنقشع سحب العداوة، ودخان الأحقاد، بين جماعة تربطها روابط القرابة والإخاء!