والذي أخذ به هنا، واستقرّ عليه العمل إجماعا، هو أن تجلد الأمة خمسين جلدة، إذ كانت الحرّة غير المحصنة تجلد مائة جلدة! وهناك أمران يمكن أن ينظر إليهما، للأخذ بهذا الحكم، والاستناد عليهما، والاستئناس بهما فى قبوله..
وأول الأمرين: أن حدّ الزنا فى القرآن الكريم هو مائة جلدة للحرّة، لا فرق فى هذا بين محصنة، وغير محصنة.. أما الحكم برجم المحصنة فقد ثبت بالسنة المطهرة.
وإذا كانت السنة المطهرة قد جاءت بعقوبة الرجم للمحصنة الحرة، ولم تتعرض للمحصنة الأمة، فيبقى الحكم القرآنى مسلطا على الأمة بإطلاقه، أي بالجلد، وبنصف المائة التي هى حد المحصنة.
وثانى الأمرين: أن فى قوله تعالى: «فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» إشارة إلى أن النص العامل فى عقوبة الأمة هو النص القرآنى فى قوله تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» فإن كلمة «العذاب» فى حدّ الأمة، وكلمة «عذابهما» فى حدّ الحرّين، الزانيين، تجعلان العقوبة هنا من نوع العقوبة هناك، وأنها جلد لا رجم، فيه عذاب، لا موت! وأما الحكمة فى أخذ الأمة بنصف عقوبة الحرّة فى جريمة الزّنا، تلك الجريمة التي لا تختلف آثارها باختلاف الأشخاص، ووصفهم الاجتماعى- فإن الإسلام نظر إلى تلك الجريمة هنا من أفق آخر، غير الأفق الذي نظر منه إليها فى حال تجريمها، وتأثيمها.. فالزّنا هو الزّنا، والسرقة هى السّرقة، ولكن هناك ظروف مخففة للجريمة، كالإكراه، والاضطرار، ونحوهما.. والأمة واقعة تحت