التفسير: هذه دعوة من الله إلى عباده، ومطلوب من مطلوباته إليهم، بل قل إرادة يريدها الله منهم.. وتلك الإرادة، هى ألا يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل!.
وإذ كان «المال» هو مبتغى الناس، ورغيبتهم، فيه يتنافسون، وله يعملون ويكدحون، ومن أجله، وفى سبيله تتصادم رغباتهم، ويقع الشرّ والعدوان بينهم، فيبغى بعضهم على بعض، ويغمط بعضهم حقّ بعض، فى صور وأشكال مختلفة.. من السرقة والاغتصاب، والاحتيال، والغش والخداع، والاحتكار، إلى غير ذلك مما هو واقع فى معترك الحياة بين الناس- إذ كان ذلك كذلك فقد كثرت وصايا الإسلام إلى الناس فى «المال» وفى رسم الحدود التي تمسك به فى دائرة النفع العام والخاص، ليؤدى وظيفته كنعمة من أجلّ النعم التي أنعم الله بها على عباده..
ولم تقف نظرة الإسلام إلى المال عند أفق واحد.. بل امتدت نظرته إليه فشملت جميع الآفاق التي يكون للمال مكان فيها.. فى كسب المال وفى إنفاقه.. فى يد من يملك ومن لا يملك.. فى الميراث والورثة.. فى ملك اليتامى والسفهاء، وفى يد الأولياء والأوصياء عليهم.. إلى غير ذلك من الوجوه التي يرى فيها المال واقعا فى يد فرد أو جماعة.
وفى قوله تعالى:«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» إشارة إلى أن المال مائدة ممدودة من الله سبحانه لعباده، يأكلون منها، وأن لكل إنسان حظّه من هذا المال، وأن من وقع إلى يده قدر منه على حين خلت أيدى الجماعة التي حوله، أو قصرت عن أن تنال شيئا منه، كان واجبا عليه أن يعطى مما فى يده لمن حوله، إذ من غير المستساغ أن يأكل والناس المشتركون معه على المائدة، لا يأكلون..