(٣٢: طه) وخصّت الصلاة وحدها هنا بالذكر، من بين العبادات، لأنها رأس العبادات جميعها، وملاك الطاعات كلها، فمن أداها كاملة، فى جلالها وخشوعها، سلكت به مسالك الخير والهدى، وحادت به عن طرق الضلال والآثام، إذ يقول الحق سبحانه:«وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»(٤٤: العنكبوت) وقوله تعالى: «وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ» الضمير هنا يعود على الصلاة، وإنها لكبيرة- أي ثقيلة- إلا على ذوى القلوب المتفتحة للخير، المتقبلة له، أما ذوو القلوب القاسية المتحجرة، التي لا تنضح بخير، فأمرها ثقيل عليهم، لا يأتونها- إن أتوها- إلا فى تكاسل، وفتور، أو فى تكرّه وتبرّم! والذي يفيض على القلب الخشية والخشوع، هو الإيمان بالله، وبلقاء الله يوم الجزاء فى الآخرة، فذلك هو الذي يثبّت خطو المؤمن على طريق الإيمان، ويعينه على أداء الطاعات والعبادات! وفى قوله تعالى:«يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ» - فى هذا التعبير بالظن هنا، إشارة دقيقة إلى أن الإيمان بالبعث وبلقاء الله إنما هو إيمان بالغيب، لا يستند إلى مدرك حسّىّ، ومن ثمّ كان الإيمان به واقعا فى دائرة الظن المستيقن، أو اليقين المحفوف بالظن- ذلك هو أول درجات الإيمان- فإذا ما درج المؤمن فى طريق الإيمان، مستعينا بالصبر والصلاة اطمأن قلبه، وجلت عنه وساوس الظنون، كما يقول سبحانه:«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(٢٨: الرعد)