سواء وجد الماء أم لم يجده، أم أنه يلحق بمن ذكر بعده، وهو من جاء من الغائط أو لامس النساء.. حيث لا يباح لهما التيمم إلا عند فقدان الماء؟ هنا يطالعنا وجه من وجوه الإعجاز القرآنى، نلمحه فى ترتيب أصحاب هذه الأعذار المبيحة للتيمم، حيث بدأ بالأقوى عذرا، فمن دونه، وهكذا..
فالمريض.. صاحب عذر واضح فى إباحة التيمم له، بحيث لا ينتقض هذا العذر بوجود الماء.
أما المسافر.. فهو على حال دون المريض، ولكنه شبيه بالمريض فى بعض ما يحيط به من أحوال.. فهو ضعيف لانقطاعه عن أهله، ولسوء تغذيته، ولمكابدته مشاق السفر.. فهو- والحال كذلك- فى حكم المريض، وإن لم يكن مريضا، ولهذا جاء تاليا للمريض فى ترتيبه بين أصحاب الأعذار..
وعلى هذا، فإن له أن يأخذ بحكم المريض، فينتفع برخصة التيمم، مع وجود الماء، وهذا هو سرّ ذكره بين أصحاب الأعذار، ليكون السفر عذرا له، كما يكون فقدان الماء عذرا لغير المسافر.. كمن جاء من الغائط أو لامس النساء.
هذا، ولا نستطيع أن نرفع أبصارنا عن هذه الآية الكريمة دون أن نملا العين من هذا النظم العجيب الذي جاءت عليه، وهى تقرر أحكاما، وتصدر تشريعا.. الأمر الذي لا يلتفت معه كثيرا إلى الصياغة البلاغية، التي كثيرا ما تجوز على التحديد والتقنين المطلوبين لتقرير الأحكام.. ولكنه القرآن الكريم، وكلام ربّ العالمين، يجمع الحسن كلّه، ويستوفى الكمال جميعه.
والذي شدّ أبصارنا وبصائرنا من نظم هذه الآية الكريمة هو قوله تعالى:«أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» فقد جاء هذا المقطع من الآية الكريمة مخالفا لنسق النظم الذي جاءت عليه الآية، فيما سبقه، أو لحقه منها- فالآية تخاطب المؤمنين فى صيغة الجمع.. «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ