فى هذه الآيات الكريمات تفصيل لتلك النعم، التي أنعم الله بها على بنى إسرائيل، والتي جاء إجمالها فى قوله تعالى:«يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ» .
ومع تتابع هذه النعم السابغة، وتوالى هذه الآلاء الكريمة، فإن القوم لم يلقوا هذا الإحسان إلا بالكفران، واللجاج فى العناد، والمحادّة لله ورسوله.
ينجيهم الله من فرعون، وما رهقهم به من محن، وما رماهم به من بلاء، حيث كان يذبّح أبناءهم، ويستحيى نساءهم بما يدخل عليهم من جنده من استخفاف بحرماتهن، وهتك لأستارهن، مما يجرح حياء المرأة، ويغرق وجه الحرة بماء الخجل! ويكرم الله نبيهم موسى، فينزله فى رحاب ضيافته أربعين ليلة، يناجيه فيها، ويوحى إليه بآياته وكلماته ... «وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» والكتاب هو التوراة، والفرقان من عطف الصفات، فهو كتاب وهو فرقان، يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وما لله وما لخلق الله! ولكن تأبى طباعهم النكدة أن تعلو إلى مشارف هذا النور، بل هى رابضة على التراب، ترعى مع البهائم، وتهيم فى أودية الضلال.. فيتخذون من العجل إلها معبودا من دون الله! ويتلقّى هؤلاء المناكيد العقاب الطبيعي من الله، فيأمرهم أن يقتلوا أنفسهم، فتلك نفوس لا حرمة لها، بعد أن نزلت إلى هذا المستوي الحيواني، بل ونزلت عن هذا المستوي، فوضعت جباهها تحت أقدام الحيوان، تعفّر جبينها بالتراب عابدة ساجدة له.
ويتسلط القوم بعضهم على بعض، ويضرب بعضهم رءوس بعض، كما تتناطح الوعول، أو كما تتناهش العقارب والحيات!