التفسير: قبل أن يكتب الله القتال على المؤمنين- جهادا فى سبيل الله، وحماية لدعوة الحق التي فى أيديهم- كانت تكاليف الإسلام محدودة، ليس فيها ما يشق على النفس، إذ لم تكن دعوة الله لهم تتجاوز اجتناب المحرمات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كما يقول تعالى:«كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ» ..
وإنه حين كتب الله القتال على المؤمنين، استقبله المؤمنون الذين صدق إيمانهم بصدور منشرحة، ونفوس راضية، وعدّوا ذلك نعمة من نعم الله بهم، وفضلا من أفضاله عليهم، إذ أتاح لهم فرصة مسعدة للعمل على مرضاته، والفوز بمنزلة المجاهدين، والشهداء عنده..
أما الذين فى قلوبهم ضعف أو مرض.. فقد فزعوا لهذا الأمر، وطلع عليهم من جهته شبح الموت يمدّ يديه الرهيبتين لانتزاع أرواحهم! إن حرصهم على الحياة، وحبّهم للدنيا، قد مثّل لهم الموت شيئا مهولا فظيعا، لأنه يقطعهم عن الحياة التي تعّلقوا بها، وسكروا من خمرها.. ورأوا فيما فرض الله عليهم من قتال أمرا لا يطاق، فقالوا- وكأنهم ينكرون على الله أن يكلفهم ما كلفهم به-: «رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؟» .
إنهم يهربون من حمل تلك المسئولية، ويدافعون الأيام بالتسويف..
إنهم يتمنّون على الله أن يؤخر هذا الأمر- أمر القتال- إلى غد.. وذلك الغد لن يلتقوا به أبدا.. إنه كلما جاء حسبوه يومهم، وانتظروا ما بعده غدا لهم.. وهكذا.. لا يلتقون بالغد أبدا، ولهذا جاء قوله تعالى:«قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا» ناعيا عليهم هذا التعلّق الشديد بالحياة الدنيا، والحرص القوىّ على متاعها.. ولو أنهم