وقوله تعالى:«ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» هو استكمال للصورة التي يتحدّد بها موقف الإنسان من الكسب، ومدى مسئوليته فيما يعمل من خير أو شر، ومن حسن أو قبيح..
فقد بيّن الله فى قوله سبحانه:«قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» أن كل شىء يقع فى هذا الوجود هو بتقديره، وعن علمه، وبإرادته.. «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ»(٥٩: الأنعام) .
وهذا- على إطلاقه- يعنى أن الإنسان لا كسب له، وإنما هو وما يقع منه من أعمال، ليس إلا مظهرا لإرادة الله، وإعلانا لما قضت به مشيئته! وهذا يعنى أيضا أن الإنسان غير مسئول عن غيّه أو رشاده، وكفره، أو إيمانه، إذ لا إرادة له، مع تلك الإرادة الإلهية الغالبة، ولا مشيئة مع تلك المشيئة العلوية القاهرة! ولكن واقع الإنسان ينبىء عن أنه ذو إرادة، وذو مشيئة، وأنه يريد، ويشاء.. وأنه يقف بين طريقى الخير والشر، فيريد هذا الطريق أو ذاك، حسب تقديره، ويرتضى الكفر أو الإيمان، حسب مشيئته.. ليس هناك قوة ظاهرة تحمله على أي الأمرين، وإنما ذلك إلى إرادته ومشيئته.
وإذن فهناك معادلتان يراد التوفيق بينهما:
معادلة تقول: الخير والشر جميعا من عند الله.. «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. والمعادلة الأخرى تقول: الخير من عند الله، والشر من عمل الإنسان.. «ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» والحق أنه مع النظر والتأمل نجد أنه ليس هناك معادلتان، بل هما معادلة