القادة والراشدين بينهم، من يضبط موارد هذه الأخبار ومصادرها، ويعزل غثّها عن ثمينها، وباطلها عن حقها- إنهم لو فعلوا ذلك لكان خيرا لهم وأقوم، ولأراحوا أنفسهم وأراحوا الناس من هذا الهرج والمرج، الذي يثيرونه فيهم بهذه الأخبار المشوشة المضطربة! وهذا لا شك دستور قويم لاستقرار المجتمع، وضمان أمنه وسلامته، من كلمات السوء التي تتدسس إليه من أفواه ثرثارة، ترمى بالكلام بلا حساب ولا تقدير..
إن الكلمة ليست مجرد لفظة يلفظها الإنسان من فمه، ولكنها أشباح متنقلة فى الناس.. تتجسد، وتتشكل، وتظهر فى صور مختلفة، من تصورات الناس وأعمالهم، وخاصة فى أوقات الشدائد والأزمات التي تمر بالمجتمع، حيث الهياج والقلق والاضطراب، الذي يغشى الناس، ويطلع عليهم فى يقظتهم ونومهم على السواء.
وقوله تعالى:«وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا» تنبيه للمسلمين إلى الخطر الذي يتهددهم من وراء هذه الوسوسات التي تندسّ إليهم، من مفتريات الأحاديث وأباطيلها، وأن ذلك جميعه من واردات الشيطان، الذي يسوّل لتلك النفوس المريضة باللغو، ويغريها بالثرثرة، ويركب بها مركب السوء، فتذيع فى الناس، البلبلة والاضطراب، وتفتح لهم أبواب الفتنة والضلال..
ولولا فضل الله وما يحرس به المؤمنين من عظاته، وتنبيهاته لهم، وتحذيرهم من المزالق والعثرات، لضلّوا وغووا، إلا قليلا منهم، ممن استعصم بعقله، واحتكم إلى رأيه، واستصفى لنفسه المورد الطيب الذي يرده..