الإنسان أخاه قائلا:«السلام عليكم» فيلقاه أخوه بها قائلا: «وعليكم السلام ورحمة الله» .. وفى هذا الجوّ الذي تتردد فى جنباته كلمات السلام، تفىء النفوس إلى السّلم، وتهفو إلى العافية، وتستروح روح المودة والإخاء..
وإذ يأخذ المسلمون أنفسهم بهذا الأدب الإسلامى، وإذ تشيع بينهم هذه الكلمة الطيبة الرائعة، وإذ ينطق بها من نطق عن وعى ويقظة، وإذ يتلقاها من تلقّى عن إدراك وفهم، فإنك لن تجد فى مجتمع يتخذ هذه الكلمة شعارا ودثارا- قلبا يحمل بغضة، أو صدرا ينطوى على عداوة، وإنه لا شى إلا المودة والحب والسلام..
وإذا كان الإسلام قد آثر كلمة «السّلام» لما يشعّ منها من المعاني الكريمة الطيبة، التي تقتل جراثيم العداوة والبغضة، فإنه- مع هذا- يتقبل أية تحية طيبة يتبادلها الناس، ويتوسمون فيها سمات الخير والإحسان.. ولهذا جاء قوله تعالى:«وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» غير مقيد التحية بقيد مخصوص، ولا واقف بها على صورة خاصة، ليتيح للناس من التحايا ما يغذى عواطف الأخوة والمودة بينهم، سواء أكانت تلك التحية لفظة ملفوظة، أو حركة معبّرة، أو إشارة دالة، أو إماءة موحية.. إذ لا يعنى الإسلام من هذا إلا الأثر المترتب عليه، ولا يعنيه شىء ممّا يظهر فيه من صور وأشكال. وإن كانت كلمة السلام هى تحية الإسلام، وشارة المسلمين.
وقوله تعالى:«إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» إشارة إلى أن هذه التحية حق من الحقوق الواجب بذلها، كما أنها حق من الحقوق الواجب أداؤها إلى أصحابها.. وأداؤها يكون بقبولها، وردّها بأحسن منها! وأن الله سبحانه حسيب على كل شىء.. يضبطه، ويجازى عليه! ومع أن التحية مجرد كلمات قليلة متبادلة بين الناس والناس، لا يتكلف لها