للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المنافق أشبه بمجرم فى قفص الاتهام.. والمجتمع الذي يعيش فيه هو الذي يحاكمه، ويحاصره، ويأخذ عليه كل سبيل للإفلات من تلك النظرات المتهمة له، الفاضحة لجرمه.

ومن هنا يقوم فى كيان المنافق شعور آخر، يواجه به شعور الخوف والقلق الذي يستولى عليه، من إحساسه بمراقبة الناس له، واطلاعهم على خبيئة أمره، وفضحهم لخفىّ نفاقه- هذا الشعور الآخر، هو الرغبة فى أن يرى الناس جميعا من حوله، صورة منه.. فلا يلقون أنظارهم إليه، ولا يلتفت هو إليهم، ولا يحاول أن يستر فعلته عنهم، إذ كانوا جميعا على شاكلته..

فإن المجرم بين المجرمين، لا يستحى أن يكشف عن جرائمه، بل وربما بالغ فيها، ليرى أصحابه منه أنه عريق فى الإجرام، يستأهل مكان الصدارة فى المجرمين! ومن هنا كان المنافقون يسعون دائما إلى إفساد المؤمنين وإغوائهم، وتزيين النفاق لهم، وتحبيب الكفر إليهم، ليكونوا معهم فى هذا البلاء، وليقتسموا المحنة التي يعيشون بين المجتمع فيها! وفى قوله تعالى: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» - ما يكشف عن هذا الشعور الذي يحرك المنافقين إلى إفساد المؤمنين، ليؤنسوا وحشتهم، وليفكوا قيدهم الذي يمسك بهم فى محيط محدود لا يتجاوزونه! حتى إذا امتلأت الأرض نفاقا، كان لهم أن يسرحوا ويمرحوا كيف يشاءون، وأن يظهروا ما ستره النفاق منهم، من كفر وإلحاد.. ولهذا جاء التعبير القرآنى:

«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا» بديلا مما يقضى به الظاهر وهو: «ودوا لو تنافقون كما نافقوا» ، لأن النفاق يستر وراءه الكفر.. فجاء التعبير القرآنى فاضحا هذا الكفر المستتر وراء النفاق..

وقوله تعالى: «فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» هو

<<  <  ج: ص:  >  >>