وهل يعيد القتل الخطأ لأهل القتيل صاحبهم إلى الحياة؟ وهل يرى أهله فى قتيلهم هذا، غير ما يرونه فيه لو أنه قتل عن عمد وقصد؟ كلا.. فهو فى كلا الحالين جثة هامدة بين أيديهم.. كان إلى لحظات قليلة مضت ملء أسماعهم وأبصارهم.. وهو الآن فى عالم الأموات، وهو عما قليل صائر إلى حيث يوضع فى حفرة، تم يهال عليه التراب..
والنظرة المختلفة هنا، هى التي ينظر بها أهل القتيل إلى القاتل، لا إلى القتيل، الذي لا يختلف نظرهم فيه على أي حال.. فالقاتل خطأ ليس فى وجه عداوة ونقمة من أهل القتيل، كالقاتل عن عمد وقصد.. ولكنه مع ذلك بغيض إلى نفوسهم، ينظرون إليه بعيون ملؤها الضيق والألم، إن لم يكن ملؤها الشنآن والنّقمة..
بهذه النظرة الفاحصة الحكيمة الشاملة، نظر القرآن إلى هذا الحدث المروّع، نظرة جمعت كل أطرافه، وأمسكت بجميع موارده ومصادره، ونفذت إلى ما يعتمل فى المشاعر، وما يضطرب فى الصدور منه، ثم جاءت إلى كل أولئك بما يصلح أمرهم، ويقيمهم على نهج قاصد، وطريق سواء! فأهل القتيل، لا بد لهم من مواساة وعزاء فى هذا المصاب.. وعزاؤهم ومواساتهم هو فى أن يترضّاهم القاتل، ويعتذر إليهم بهذه الدّية التي يقدمها لهم، ويريهم منها أنه ملوم يستحق المؤاخذة- وإن كانت حقيقة الأمر ألّا لوم عليه ولا مؤاخذة- إذ كان منطق النفوس المهتاجة فى تلك الحال غير منطقها المعتاد، فى الظروف الطبيعية..
فهذه الدّية- فى حقيقتها- رمز لسلامة نية القاتل.. ولهذا التفت القرآن الكريم إلى أولياء القتيل، فدعاهم فى رفق إلى التصدّق بهذه الدية على القاتل نفسه.. رحمة به، وتجاوزا عن فعلة جاءت على غير إرادته.