للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأذلّوا بها آدميّتهم، ومحاكمة تنتهى بهم إلى عذاب السعير فى الآخرة، حيث ضاع إيمانهم فيما ضاع من آدميتهم، تحت سياط الظلم والعسف! وهذا يعنى أن المؤمن لا يصبر أبدا على الظلم، ولا يقبله، وأنه إن قبله، وصبر عليه، لم يكن فى المؤمنين.. لأن المؤمن عزيز بالله، كريم على الله..

وطاعم الظلم ومستسيغه لا عزّة له ولا كرامة! فمن وجد القدرة على الهجرة والفرار من وجه الظلم والبغي، ولم يهاجر فهو آثم عند الله.. لأنه فى معرض الفتنة فى دينه، وهيهات أن يسلم له دين، وهو فى هذا الموطن، الذي تنطلق منه شرارات البغي، فتحرق مادياته ومعنوياته جميعا..

وليست الهجرة هنا مقصورة على زمن معين، أو مكان معين.. بل الهجرة مفتوحة فى كل زمان، وإلى كل مكان، يجد فيه المؤمن متنّفسا لمشاعره، ومنطلقا للسانه، ووجوها لسعيه! وقوله تعالى: «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا» استثناء وارد على الحكم العام الذي حكم به الله تعالى على المستضعفين الذين سكنوا إلى الظالمين، ولم يهاجروا.. فهؤلاء المستضعفون من الرجال والنساء، والولدان، لا حيلة لهم ولا قدرة معهم على الهجرة، فهم معذرون إذا لم يهاجروا، وقد أعفاهم الله من هذا العقاب الذي أخذ به القادرين على الهجرة، وقعدوا عنها.

وقوله تعالى: «فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ» تحريض لهؤلاء المستضعفين أن يكونوا على نيّة الهجرة دائما، وأن يعملوا لها، وأن يرصدوا أسباب القدرة عليها، فإن أمكنتهم الهجرة هاجروا.. وإلا فإن الله كان

<<  <  ج: ص:  >  >>