ما يشعر بأن هؤلاء المنافقين لم يهمّوا بالسوء، إذ كان فضل الله علي النبي ورحمته به، وحراسته له، ممّا يحجز هؤلاء المنافقين عن أن يهمّوا، فضلا أن يبلغوا من النبي ما همّوا به، وما حدثتهم به أنفسهم من شر وعدوان! والواقع أنه كان من المنافقين هم وعزم على ركوب هذا المنكر نحو النبي، بل وقد خرج هذا الهمّ أحيانا إلى حيّز التنفيذ والعمل، فجاء منهم من يقول للنبىّ فى غزوة الخندق:«إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ» .. وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا» (١٣ الأحزاب) وجاء منهم من يقول للنبىّ فى غزوة تبوك: «ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي»(٤٩: التوبة) وقد أذن النبي لمن استأذنه منهم، فكان من الله هذا العتاب الرفيق للنبى الكريم:«عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ»(٤٣: التوبة) فما تأويل هذا؟
والجواب: هو أن هذا الهمّ الذي كان من المنافقين، وما تبعه من تدبير وعمل، لم يؤثّر أأثره فى النبيّ، ولم يخرج به عن طريق الحق والعدل الذي أقامه الله عليه، وأن ما جنى المنافقون من نفاقهم هذا كان حسرة ووبالا عليهم فى الدنيا والآخرة، إذ فضحهم الله على الملأ، وفضح نفاقهم، وعرضهم للأعين عراة يجلّلهم الخزي والعار، وأنهم ودّوا لو لم يهمّوا ولم يفعلوا.. فكان همّهم