وإنما المراد به هو استبعاد أن يكون أحد أحسن دينا من هذا الذي أسلم وجهه لله وهو محسن.
والاستفهام هنا أبلغ فى تقرير هذا الحكم، من أن يجىء هكذا فى صورة الخبر المباشر، كأن يقال مثلا: لا أحد أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن.
ذلك أن الاستفهام يقتضى اختبارا عمليا لهذا الحكم، بمعنى أنه حين يرد هذا الاستفهام على السامع، يتلفت هنا وهناك باحثا عن الجواب على هذا الاستفهام، طالبا من هو أحسن دينا من دين هذا الذي أسلم وجهه لله..
ولكن هيهات أن يجد المطلوب، وبذلك يتقرر عنده الحكم بأنه لا أحد أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن.
وقوله تعالى:«وَهُوَ مُحْسِنٌ» جملة حالية يراد بها قيد الإيمان بالعمل، بل والعمل الحسن.. إذ ليس الإيمان- كما قلنا- مجرد تصور حقيقى للألوهية، وإيمان بالله على هذا التصور لا يعدّ إيمانا، وإنما الإيمان معتقد وعمل، ولاء لله، وسلوك بمقتضى هذا الولاء.
وفى قوله تعالى:«وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» ، عطف على الجملة الحالية السابقة، وقيد آخر للإيمان، الذي وصف بأنه أحسن دين وأكمل إيمان.. إذ لا يتحقق هذا الوصف إلا بشرطين:
أولهما: أن يصحبه عمل، وعمل حسن، بمقتضى توجيهات الشريعة وآدابها..
وثانيهما: أن يكون متابعة لدين إبراهيم عليه السلام، إذ كان إبراهيم أبا لأتباع الديانات الثلاث، المتجه إليها هذا الخطاب، وهى اليهودية، والنصرانية، والإسلام..