وفى قوله تعالى:«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما» رفع لمظنّة الحرج التي قد تكون متصوّرة فى هذا الموقف.. إذ أن المرأة تنزل للزوج عن بعض حقها، أو تقدم إليه شيئا من مالها، تحت ظروف قاهرة.. لا عن رضى واختيار.. وفى هذا عدوان على المرأة، وإكراه لها..
ولكن أباح الإسلام هذا، ليدفع به عن المرأة ضررا أكبر من هذا الضرر الذي يلحقها من التنازل عن بعض حقوقها الزوجية، أو الغرم فى بعض مالها.. وذلك لتحفظ حياتها الزوجية من أن تتصدع وتنهار! فالشر الذي يدفع به شرّ أعظم منه، هو خير! ومع هذا، فإنه ليس من المفروض فرضا لازما على المرأة أن تقف هذا الموقف، وإنما ذلك متروك لتقديرها، ووزنها لأحوالها وظروفها.. فلها أن تطلب الطلاق من زوجها إذا كانت غير محتملة للضرر الواقع عليها من نشوزه أو إعراضه عنها.. ثم إن لها فى الوقت نفسه أن تصلح هذا الأمر بما تقدر عليه، إذا هى رأت فى مصلحتها أن تبقى على زوجها، وأن تشترى رضاه ومودته بالتنازل عن بعض حقوقها..
وقوله تعالى:«وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ» أي أشهدت الأنفس الشحّ، بمعنى أريته وعاينته فى هذا الموقف، والشحّ هو البخل..
والذي أرى الأنفس الشحّ فى هذا الموقف، هو مواجهتها لذاتها وهى تستقبل من الغير هجوما عليها، ومحاولة للانتقاص مما فى يدها.
ففى مثل تلك الحال تتحرك فى النفس دوافع حبّ الذات، الذي من شأنه أن يبرز غريزة الشحّ، التي هى سلاح من أسلحة الدفاع عن الذات.
وجملة «وأحضرت الأنفس الشحّ» جملة اعتراضية، يراد بها التنبيه