للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمل يعمله، ثم هو آخر أمره صائر إلى الله.. إنه لم يخلق نفسه، ثم إنه لن يميت نفسه.. بل الله سبحانه هو الذي أوجده، وهو الذي يميته.. ثم هو الذي تولّاه منذ أوجده إلى أن أماته.. فهو وإن اشتمل باطنه على الكفر بالله، وبفضله عليه، فإن وجوده كلّه وما يحيط به هو صوت جهورىّ، يؤذّن بحمد الله، ويسبّح بآلائه ونعمائه.

قوله تعالى: «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» تسبيحة أخرى من تسبيحات الحمد لله، والإقرار بألوهيته، والولاء له من مخلوقاته جميعا، وكفى به- سبحانه وتعالى- وكيلا، يدبّر أمر هذه المخلوقات، ويقيمها على ما تقضى به حكمته.

وقوله سبحانه: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ، وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً» هو تذكير بقدرة الله، كما هو إشارة إلى ضآلة شأن الإنسان الذي يخيّل له من جهله وغروره أنه سيّد هذا الوجود، ثم يمتد به حبل هذا الجهل والغرور، فيحسب أنه هو الذي يخلق، ويرزق، وأنه ليس له خالق أو رازق! وهذا سفه وضلال، فلو شاء الله أن يردّ الناس إلى عدم، كما أنشأهم من عدم، لكان ذلك على الله يسيرا.. «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (٨٢: يس) .

وفى قوله تعالى: «وَيَأْتِ بِآخَرِينَ» إثارة لغريزة حب البقاء فى الإنسان، ودعوة له إلى التشبث بوجوده، وفى ذلك ما يحمله على اللّجأ إلى الله، والولاء له، والتعلق بذاته، حتى لا يقع تحت هذا الحكم الذي يكاد يذهب به مذهب الضياع والفناء.

وهؤلاء الآخرون.. على أية صفة يكونون؟ أهم ناس كهؤلاء الناس، أم مخلوقات من أجناس أخرى من غير جنسهم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>