والمعاناة، فى لفظها، وفى معناها، المستدلّ عليه من هذا اللفظ:
«قوامين» ! والشهداء، هم الشهود، الذين يحضرون مجلس القضاء، ويشهدون الفصل فى الخصومة، ويدلون بما شهدوه وأشهدوا عليه بين المتخاصمين..
فميزان العدل لا يقيمه القاضي وحده، وإنما يد الشهود ممسكة بهذا الميزان، مشتركة مع القاضي فى إقامته معتدلا أو مائلا.. ولهذا كان أمر الله هنا بإقامة ميزان العدل، متجها إلى القاضي، وإلى الشهود معا:«كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ» ..
وفى إضافة الشهادة إلى الله تكريم لها، واحتفاء بها، ورفع لقدرها، إذ كانت محسوبة على الله، لأنها تقيم شرعه، وتحق الحقّ الذي هو حرمة الله.
فالذى يؤدى الشهادة على وجهها إنما يؤديها لله، وينصر بها حق الله، والذي ينحرف بها، ويشوّه وجهها، إنما هو معتد على الله، خائن لأمانته.
قوله تعالى:«وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» أي ولو كانت الشهادة تدين أنفسكم، وتلحق الضرر بكم.. فحق الله عليكم أوجب من حق أنفسكم إن كنتم تؤمنون بالله، وتؤثرون مرضاته! وقوله سبحانه:«أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» معطوف على قوله تعالى:
«وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» أي كونوا قوامين بالقسط شهداء لله، ولو كان فى ذلك إدانة لكم أو لوالديكم، أو للأقربين منكم.
وقوله تعالى:«إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» أي أدّوا الشهادة على وجهها، وأقيموا ميزان العدل منها، دون حيف على الفقير لفقره وضعفه، ودون عدوان على الغنى لصالح الفقير ودفع الضرر عنه.. فالحق هو