بها أن يفتح له طاقة من نور يهتدى بها إلى طريق الله، فيرجع إليه، ويؤمن به، ويخلص دينه له، فلا يرجع إلى ما كان فيه مرة أخرى.. فإنه إن فعل كان فى المؤمنين، وكان له ما للمؤمنين من الأجر العظيم الذي وعدهم الله به:«وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً» .
وقوله تعالى:«ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ» إشارة إلى ما للناس عند الله من واسع الرحمة وعظيم المغفرة، وأنه سبحانه وتعالى ليس إلها متسلطا جبارا يتشفىّ بعذاب عباده.. وكيف هذا وهم صنعة يده، وزرع مشيئته، وغذىّ فضله وإحسانه؟
إنه- سبحانه- يدعو عباده إليه، وييسر لهم سبل الاتصال به، والقرب منه، ولكن من غلبت عليه شقوته منهم- يأبى إلا أن يشرد عن الله، ثم يتمادى فى هذا الشرود، فيحارب الله، ويحارب أولياءه، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل! فإذا أخذ هؤلاء الشاردون عن الله، المحاربون له، بذنوبهم، وسيقوا إلى عذاب جهنم- فهل ذلك إلا لأنهم أساءوا فوقعوا تحت حكم المسيئين؟ .. ولو أنهم أحسنوا لكان لهم جزاء المحسنين.. والله سبحانه وتعالى يقول:«لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»(٣١: النجم) وفى تقديم الشكر على الإيمان هنا.. «إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ» إشعار بأن الإيمان لا يقوم إلا على مشاعر الولاء لله، ذلك الولاء الذي يتخلّق من النظر فى ملكوت السموات والأرض، ومن التدبر فى آيات الله المبثوثة فى كل ذرة من ذرات الوجود.. وهنا يجد العبد نفسه وقد صار لسانا شاكرا لله مسبحا بحمده.
فالشكر هو المدخل الذي يجد فيه الإنسان طريقه إلى الله، والتعرف إليه..
ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى الله قائمة أولا على النظر إلى هذا الوجود، (م ٦٠- التفسير القرآنى ج ٦)