وكان من التدبير أيضا أن تخيّر «يهوذا» الوقت الذي يقبض فيه على «المسيح» المدّعى، وهو الليل، كما كان من التدبير أيضا أن يكون المكان بستانا، لا بيتا ولاخلاء.. وفى هذا الزمان وذلك المكان تختلط أشباح الناس، بالأشجار والأغصان التي تتراقص وتضطرب فى ضوء الشموع والمشاعل والمصابيح، التي حملها القوم معهم، ليروا طريقهم فى هذا الليل البهيم!.
وقد كان! فجاء القوم وخرج إليهم «المسيح» البديل يسألهم: من تطلبون؟
فيقولون: يسوع! فيقول: ها أنا ذا!.
وفى هذا يقول يوحنّا: «وخرج- المسيح- مع تلاميذه عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه، وكان يهوذا مسلمه، يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيرا مع تلاميذه، فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفرّيسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتى عليه، وقال: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو!! وكان يهوذا مسلمه أيضا واقفا معهم، فلما قال لهم: إنى أنا هو، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض.. فسألهم أيضا: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري!! أجاب يسوع: قد قلت لكم أنا هو..؟ (إنجيل يوحنا: ١٨: ١- ٩) .
إنهم كانوا بلا شك يعرفون شخص المسيح الذي تعلقت الأنظار به فى أكثر من موقف من مواقفه الرائعة المذهلة.. ولكنهم فى هذا الظلام أو فى هذا النّور المظلم، لم يكن فى مقدورهم أن يتبينوا شخوص الناس، وأن يتحققوا من ذواتهم.. ولهذا كان سؤال وكان جواب! وقد وضع القوم يدهم على هذا الذي دعاهم إليه وقال: إنه يسوع!.
ثم إنهم ما كانوا يضعون أيديهم عليه حتى أخذته الأيدى والأرجل، صفعا وركلا، حتى لتتغيّر لذلك هيأته، وتكاد تذهب كل معالم شخصيته!.