للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلة للملك أعم نفعا وأتم وقعا من أن يكون عادلا. ومن هنا تظهر البركة في العالم أو ترتفع إن كان السلطان عادلا أو جائرا. يحكى أن أنوشروان خرج يوما إلى الصيد وانقطع عن عسكره واستولى عليه العطش، فرأى بستانا فيه رمان. فلما دخله قال لصبي فيه: أعطني رمانة، فأعطاه فعصرها وأخرج منها ماء كثيرا، فشربه وأعجبه ذلك، فعزم على أن يأخذ ذلك البستان من مالكه. ثم قال لذلك الصبي: أعطني رمانة أخرى، فأعطاه فعصرها فخرج منها ماء قليل فشربه فوجده عفصا. فقال: أيها الصبي، لم صار الرمان هكذا؟ فقال الصبي:

فلعل ملك البلد عزم على الظلم فلشؤم ظلمه صار هكذا، فتاب أنو شروان في قلبه وأناب، وقال للصبي: أعطني رمانة أخرى فعصرها فوجدها أطيب من الأولى فقال للصبي: لم بدلت هذه الحالة؟ فقال: لعل الملك تاب عن ظلمه. فلما وجد أنو شروان مقالة الصبي مطابقة لأحواله في قلبه تاب بالكلية، فكان من ميامن عدله أن

ورد في حقه قول نبينا صلى الله عليه وسلم «ولدت في زمن الملك العادل» .

الثالثة: كونه مالكا وملكا معناه أنه قادر على ترجيح جانب وجود الممكنات على عدمها، وأنه قادر على نقلها من صفة إلى صفة كما يشاء من غير مانع ولا منازع. وعلى قضية الحكمة والعدالة فهو الملك الحق وأنه ملك يوم الدين أيضا، لأن القدرة على إحياء الخلق بعد إماتتهم والعلم بتلك الأجزاء المتفرقة من أبدان الناس لا يختص به أحد غيره، فإذا كان الحشر والنشور لا يتأتى إلا بعلم يتعلق بجميع المعلومات وقدرة تنفذ في كل الممكنات، فلا مالك ليوم الدين إلا الله. فإن قيل: لا يكون مالكا إلا إذا كان المملوك موجودا لكن القيامة غير موجودة فينبغي أن يقال «مالك يوم الدين» بالتنوين بدليل أنه لو قال: أنا قاتل زيد كان إقرارا، ولو قال: أنا قاتل زيدا كان تهديدا. قلنا: لما كان قيام القيامة أمرا حقا لا يجوز الإخلال به في الحكمة، جعل وجوده كالشيء القائم في الحال.

ولو قيل: من مات فقد قامت قيامته زال السؤال.

الرابعة: قالت القدرية: إن كان الكل من الله فثواب الرجل على ما لم يعمله عبث وعقابه على ما لم يفعله ظلم، فيبطل كونه مالكا ليوم الدين. قلنا: خلق الجنة وخلق أهلا لها، وخلق النار وخلق أهلا لها، وذلك أن له صفة لطف وصفة قهر كما ينبغي لكل ملك.

فخلق لكل صفة مظهرا ولا يسأل عما يفعل، لأن كل سؤال ينقلب فهو باطل.

الخامسة: في هذه السورة من أسماء الله تعالى خمسة: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، المالك. كأنه يقول: خلقتك أولا فأنا الله، ثم ربيتك بأصناف النعم فأنا الرب، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>