مما تسرونه وهو مضمرات القلوب وخفياتها. وإن كان خارجا فالمعنى قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني أعلم ما أضمره الخلائق ولم يظهروه على ألسنتهم أصلا. ويجوز أن لا يكون أمرا بالقول لفظا بل يراد حدّث نفسك بأنهم سيهلكون غيظا وحسدا، فيكون أمرا للرسول بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله ونصره. ثم ذكر نوعا آخر من مضادتهم ومعاداتهم فقال: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ أي حسنة كانت من منافع الدنيا كالصحة والخصب والغنيمة والظفر على الأعداء والائتلاف بين الأحباء تَسُؤْهُمْ ساءه يسوءه نقيض سره يسره وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ ضد من أضداد ما عددنا. يَفْرَحُوا بِها ولم يفرق صاحب الكشاف هاهنا بين المس والإصابة وجعل المعنى واحدا. وأقول: يشبه أن يكون المس أقل من الإصابة وأنه أدخل في بيان شدة العداوة، وذلك أن الحسد لا ينهض لقليل من الخير إلا أن يكون هناك كمال البغض، والشماتة قلما توجد إذا أصاب العدوّ بلية عظمى كما قيل:
عند الشدائد تذهب الأحقاد إلا أن يكون ثمة غاية الحقد. وإذا كان حال القوم مع المسلمين في القضيتين بالخلاف دل ذلك على شدة بغضهم ونهاية حقدهم، وعلى هذا فلا يبعد أن يقال التنوين في حَسَنَةٌ للتقليل وفي سَيِّئَةٌ للتعظيم. وَإِنْ تَصْبِرُوا على عداوتهم وَتَتَّقُوا ما نهيتم عنه من موالاتهم، أو إن تصبروا على أوامر الله تعالى وتتقوا محارمه لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ وهو احتيال الإنسان لإيقاع غيره في مكروه. وقال ابن عباس: هو العداوة. شَيْئاً من الضرر بل كنتم في كنف الله وحفظه. وفيه إرشاد من الله تعالى إلى أن يستعان على دفع مكايد الأعداء بالصبر والتقوى، فمن كان لله كان الله له. وفي كلام الحكماء إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك. وقال بعضهم:
إذا ما شئت إرغام الأعادي ... بلا سيف يسل ولا سنان
فزد في مكرماتك فهي أعدى ... على الأعداء من نوب الزمان
إن الله بما تعملون في عداوتكم أو بما تعملون أنتم من الصبر والتقوى. مُحِيطٌ فيجازي كل أحد بما هو أهله.
[التأويل:]
ضربت عليهم ذلة الطمع ومسكنة الحرص إلا أن يعتصموا بمحبة الله وطلبه وحبل من الناس يعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته. ويقتلون الأنبياء يميتون سنتهم وسيرهم.
ليسوا أي العلماء الربانيون والمداهنون. فلن تكفروه لأنه من تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا. ثم أخبر عن نفقات أهل الشهوات في استيفاء اللذات الجسمانية بقوله: ثَلُ ما