أن «إذا» لا تفيد التكرار فلا يلزم في كل ما يحدثه الله تعالى إلى أن يقول له «كن» . وكيف يتصور أن تكون لفظة «كن» قديمة والكاف مقدم على النون بزمان محصور، ولو سلم فلا يجوز من قدم لفظة «كن» قدم القرآن. على أن قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ يقتضي كون القول واقعا بالإرادة وما كان كذلك فهو محدث وأنه علق القول بكلمة «إذا» ولا شك أنها للاستقبال وكذا قوله: أَنْ نَقُولَ ثم إن كلمة كُنْ متقدمة على المكون بزمان واحد، والمتقدم على المحدث بزمان يكون محدثا، فتلخص من هذه الدلائل أن الكلام المسموع لا بد أن يكون محدثا. هذا تلخيص ما قاله الإمام فخر الدين الرازي، ولعل لنا فيه نظرا. ولما حكى الله سبحانه عن الكفار ما حكى من إنكار البعث والجزاء لم يبعد منهم- والحالة هذه- إيذاء المسلمين وإنزال الضرر والهوان بهم وحينئذ يلزمهم أن يهاجروا تلك الديار فذكر ثواب المهاجرين قائلا وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ أي في حقه وسبيله مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا مثوبة حَسَنَةً أو مباءة حسنة هي المدينة أوهم أهلها ونصروهم قاله الحسن والشعبي وقتادة. وقيل: لننزلنهم منزلة حسنة هي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم، بل على العرب قاطبة بل على أهل المشرق والمغرب. قال ابن عباس: نزلت الآية في جماعة- منهم صهيب وبلال وعمار وخباب- جعل المشركون يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام فقال صهيب: أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله وهاجر، فلما رآه أبو بكر قال له: ربح البيع يا صهيب، وقال له عمر: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. أما الضمير في قوله: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فإما أن يرجع إلى الكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين خير الدارين لرغبوا في دينهم، وإما أن يعود إلى المهاجرين أي لو علموا أن أجر الآخرة أكبر لزادوا في اجتهادهم وصبرهم. ثم مدحهم بقوله: الَّذِينَ صَبَرُوا على هم الذين أو أعني الذين. والمراد صبرهم على العذاب وعلى مفارقة الوطن الذي هو حرم الله، وعلى المجاهدة في سبيل الله بالنفوس والأموال. قال المحققون:
الصبر حبس النفس على خلاف ما تشتهيه من اللذات العاجلة وهو مبدأ السلوك، والتوكل هو الانقطاع بالكلية عما سوى الحق وهو آخر الطريق والله ولي التوفيق. فإن العارفين بالصبر ساروا وبالتوكل طاروا ثم في الله حاروا حسبي الله ونعم الوكيل.