للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعبا من الاطلاع عليهم حصل القطع بأنهم ليسوا أصحاب الكهف والرقيم، ولو صح ما حكينا عن معاوية حين غزا الروم حصل ظن غالب بأنهم منهم والله تعالى أعلم.

[التأويل:]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ والعبد الحقيقي من يكون حرا عن الكونين وهو محمد صلى الله عليه وسلم إذ

يقول: «أمتي أمتي»

يوم يقول كل نبي «نفسي نفسي» ، ولأنه هو الذي صحح نسبة العبودية كما ينبغي أطلق عليه اسم العبد مطلقا وقيد لسائر الأنبياء كما قال: عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم: ٢] ، وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ [ص:

١٧] ، ولأنه كان خلقه القرآن قيل: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أي لقلبه عِوَجاً لا يستقيم فيه القرآن، ومن استقامة قلبه نال ليلة المعراج رتبة فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى

[النجم:

١٠] بلا واسطة جبرائيل، ونال قلبه الاستقامة بأمر التكوين بقوله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [هود: ١١٢] أَجْراً حَسَناً. هو التمتع من حسن الله وجماله. فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ كان من عادته عليه الصلاة والسلام أن يبالغ في المأمور به حتى ينهى عنه، بالغ في الدعوة والشفقة على أمته حتى قيل له لا تبخع نفسك، وبالغ في الإنفاق إلى أن أعطى قميصه فقعد عريانا فنهى عنه بقوله: وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: ٢٩] إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً أي زينا الدنيا وشهواتها للخلق ملائما لطبائعهم وجعلناها محل ابتلاء للمحب وللسائل لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في تركها ومخالفة هوى نفسه طلبا لله ومرضاته. ثم أخبر عن سعادة السادة الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على المولى بقوله:

أَمْ حَسِبْتَ ومعناه لا تعجب من حالهم فإن في أمتك من هو أعجب حالا منهم، ففيهم أصحاب الخلوات الذين كهفهم بيت الخلوة، ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فإنهم أووا إلى الكهف خوفا من لقاء دقيانوس وفرارا منه، فهؤلاء أووا إلى الخلوة شوقا إلى لقائي وفرارا إليّ، وإنهم طلبوا النجاة من شر. والخروج من الغار بالسلامة بقولهم رَبَّنا آتِنا الآية. فهؤلاء طلبوا الخلاص من شر نفوسهم والخروج من ظلمات الغار المجازي للوصول إلى نور الوجود الحقيقي. فَضَرَبْنا على آذان باطنهم وحواسهم الأخر في مدة الخلوة لمحو النقوش الفاسدة عن ألواح نفوسهم وانتقاشها بالعلوم الدينية والأنوار الإلهية ليفنيهم الله عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أي أحييناهم بنا لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أصحاب الخلوة أم أصحاب السلوة. أَحْصى أي أكثر فائدة وأتم عائدة لأمد لبثهم في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة وَزِدْناهُمْ هُدىً فإنهم كانوا يريدون الإيمان الغيبي فأنمناهم ثُمَّ بَعَثْناهُمْ حتى صار الإيمان إيقانا والغيب عيانا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً من الدنيا والهوى. وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ قال الشيخ المحقق نجم الدين

<<  <  ج: ص:  >  >>