عن إدراك الدليل مع وضوحه، وقد جعل الآخرة مبدأ أعمالهم ومنشأه فلهذا عداه بمن دون «عن» والضمائر تعود إلى من في السموات والأرض. وذلك أن المشركين كانوا في جملتهم فنسب فعلهم إلى الجميع كما يقال: بنو فلان فعلوا. وإنما فعله ناس منهم قاله في الكشاف. قلت: قد تقدّم ذكر المشركين في قوله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ وغيره فلا حاجة إلى هذا التكلف ولو لم يتقدّم جاز للقرينة.
[التأويل:]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا صالح القلب بالإلهام الرباني إلى صفات القلب وهو الفريق المؤمن، وإلى النفس وصفاتها وهو الفريق الكافر. والسيئة طلب الشهوات واللذات الفانية، والحسنة طلب السعادات الباقية. وكان في مدينة القالب الإنساني تِسْعَةُ رَهْطٍ هم خواص العناصر الأربعة والحواس الخمس يُفْسِدُونَ في أرض القلب بإفساد الاستعداد الفطري تَقاسَمُوا بالموافقة على السعي في إهلاك القلب وصفاته وأن يقولوا لوليه وهو الحق سبحانه. ما أهلكناهم وما حضرنا مع النفس الأمّارة حين قصدت هلاكهم وَمَكَرُوا مَكْراً في هلاك القلب بالهواجس النفسانية والوساوس الشيطانية وَمَكَرْنا مَكْراً بتوارد الواردات الربانية وتجلي صفات الجمال والجلال وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أن صلاحهم في هلاكهم. فمن قتلته فأنا ديته فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنا أفنينا خواص التسعة وآفاتها وأفنينا قومهم أجمعين وهم النفس وصفاتها فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ وهي القالب والأعضاء التي هي مساكن الحواس خالية عن الحواس المهلكة والآفات الغالبة بِما ظَلَمُوا أي وضعوا من نتائج خواص العناصر وآفات الحواس في غير موضعها وهو القلب، وكان موضعها النفس بأمر الشارع لا بالطبع لصلاح القالب وبقائه وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وهم القلب وصفاته من شر النفس وصفاتها. ولوط الروح إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ وهم القلب والسر والعقل عند تبدل أوصافهم بمجاورة النفس أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وهي كل ما زلت به أقدامهم عن الصراط المستقيم وأماراتها في الظاهر إتيان المناهي على وفق الطبع، وفي الباطن حب الدنيا وشهواتها وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تميزون الخير من الشر. وإتيان الرجال دون النساء عبارة عن صرف الاستعداد فيما يبعد عن الحق لا فيما يقرب منه فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ وهم القلب المريض بتعلق حب الدنيا والسر المكدر بكدورات الرياء والنفاق والعقل المشوب بآفة الوهم والخيال أَخْرِجُوا الصفات الروحانية من قرية الشخص الإنساني إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ من لوث الدنيا وشهواتها فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ وهم السر والعقل وصفاتهما من عذاب تعلق الدنيا إِلَّا امْرَأَتَهُ وهي النفس الأمارة بالسوء وَأَمْطَرْنا على النفس وصفاتها مطرا بترك الشهوات فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ أي صعب فإن الفطام من المألوفات شديد وهذه