للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التأويل:]

الألف ألفة طبع المؤمنين، واللام لوم طبيعة الكافرين، والميم مغفرة رب العالمين، فمن الألفة أحبوا أهل الكتاب، ومن اللوم أبغضهم الكافرون، ومغفرة رب العالمين شملت الفريقين حتى قال إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] إلا أن يكون هناك مخصص. ثم أشار إلى أن حال أهل الطلب يتغير بتغير الأوقات فيغلب فارس النفس روم القلب تارة وسيغلب روم القلب فارس النفس بتأييد الله ونصره فِي بِضْعِ سِنِينَ من أيام الطلب وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ وهم الروح والسر والعقل. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي استعداد أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ الروحانية وَالْأَرْضَ النفسانية إلا ليكون مظهرا للحق ولأجل مسمى بالصبر والثبات في تصفية مرآة القلوب عن صدا الأوصاف الذميمة النفسانية. والأجل المسمى هو أوان صفاء القلب متوجها إلى الحق أَوَلَمْ يَسِيرُوا في أرض البشرية بالسلوك لتبديل الأخلاق والَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ هم الفلاسفة والبراهمة المعتمدون على مجرد البراهين من غير اعتبار الشرائع. والسوأى هي أن صاروا أئمة الكفر والضلال. اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ بتصيير النفس متعلقة بالقالب ثُمَّ يُعِيدُهُ بطريق السير والسلوك والعبور عن المنازل والمقامات إلى عالم الأرواح ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بجذبة ارْجِعِي [الفجر: ٢٨] وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ الإرادة يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ بتضييع الأوقات في طلب ما سوى الله. ويوم تقوم الساعة قيامة العشق يومئذ تتفرق المحبون، فبعضهم يطلب الجنة، وبعضهم يطلب الوصلة، وبعضهم يريد الوحدة فَسُبْحانَ اللَّهِ حين تغلبون على ليل نيل الشهوات وحين صباح نهار تجلي شموس الوصال، وله الحمد إن كنتم في سموات القربات أو أرض البعد والغفلات، وسبحانه في عشاء غشاء القساوة وفي حالة استواء شمس المعرفة في وسط سماء القلب، فإن الربح الخسران في كلتا الحالتين راجع إلى الطائفتين والله منزه عن العالمين. يخرج القلب الحي بنور الله من النفس الميتة في ظلمات صفاتها إبرازا للطفه، ويخرج القلب الميت عن الأخلاق الحميدة من النفس الحية بالصفات الحيوانية، إظهارا لقهره، ويحيي أرض القلوب بعد موتها وكذلك تخرجون بدأ وإعادة. فمن آياته خلق سموات القلوب وأرض النفوس، واختلاف ألسنة القلوب وألسنة النفوس، فلسان القلب يتكلم بلغة العلويات، ولسان النفس يتكلم بلغات السفليات واختلاف أَلْوانِكُمْ وهي الطبائع المختلفة. منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة ومنكم من يريد الله وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ في ليل البشرية وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ في نهار الروحانية والمكاشفات الربانية لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ كلام الله من شجرة الوجود، ويريكم بروق شواهد الحق ثم اللوامع ثم الطوالع. فتلك الأنوار ترى شهوات الدنيا نيرانا فيخاف منها، وترى مكاره التكاليف جنانا فيطمع فيها. أن تقوم سماء النفس وأرض القلب بأمره لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>