بقوله قُلْ قلت: لا محذور فيه لأن السلام سلام توديع لا تعظيم.
[التفسير:]
هذا نوع آخر من قبائح أقوال كفرة قريش. وفي تفسير المثل وجوه للمفسرين: أحدها أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون عيسى قالوا: إذا جاز أن يكون عيسى ابن الله جاز أن تكون الملائكة بنات الله. وانتصب مَثَلًا على أنه مفعول ثان لضرب أي جعل مثلا فالضارب للمثل كافرو إِذا قَوْمُكَ أي المؤمنون مِنْهُ أي من المثل أو من ضربه يَصِدُّونَ أي يجزعون ويضجون وَقالُوا أي الكفار أهذا خير أم هو يعنون الملائكة خير من عيسى. وثانيها ما مر في آخر الأنبياء أنه حين نزل إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
[الآية: ٩٨]
قال ابن الزبعري للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت أن النصارى يعبدون عيسى وأمه وعزيرا، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج القوم وضحكوا وصيحوا فأنزل الله تعالى قوله إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الأنبياء: ١٠١] ونزلت هذه الآية أيضا.
والمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى ابن مريم مثلا إذا قومك قريش من هذا المثل يصدون بالكسر والضم أي يرتفع لهم جلبة وصياح فرحا وسرورا بما رأوا من سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العادة قد جرت بأن أحد الخصمين إذا انقطع أظهر الخصم الآخر الفرح. وَقالُوا أَآلِهَتُنا وهي الأصنام خَيْرٌ أَمْ عيسى فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا أهون.
وقيل: من قرأ بالضم فمن الصدود أي من أجل هذا المثل يمنعون عن الحق. وثالثها أنه صلى الله عليه وسلم لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح إلها وأن مثله عند الله كمثل آدم، قال كفار مكة: إن محمدا يريد أن نتخذه إلها كما اتخذ النصارى المسيح إلها وضجروا وضجوا وقالوا: آلهتنا خير أم هو يعنون محمدا، وغرضهم أن آلهتهم خير لأنها مما عبدها آباؤهم وأطبقوا عليها فأبطل الله تعالى كلامهم بقوله ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي لم يضربوا هذا المثل لأجلك إلا للجدال والغلبة دون البحث عن الحق بَلْ هُمْ قَوْمٌ من عادتهم الخصومة واللدد. ثم قرر أمر عيسى عليه السلام بقوله إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بأن خلقناه من غير أب وصيرناه عبرة وحاله عجيبة وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ أي بدلا منكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ يقومون مقامكم. وقيل: أراد لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم. والغرض بيان كمال القدرة وأن كون الملائكة في السموات لا يوجب لهم الإلهية ولا نسبا من الله. ثم بين مآل حال عيسى عليه السلام بقوله وَإِنَّهُ يعني عيسى لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ لعلامة من علامات القيامة كما
جاء في الحديث «أنا أولى الناس بعيسى ليس بيني وبينه نبي وأنه أول نازل يكسر الصليب ويقتل الخنزير