للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلهتنا. ومعنى «ثم» تبعيد رتبة الإنكار عن العرفان. وقيل: إنكارها قولهم ورثناها من آبائنا أو وصل إلينا بتربية فلان، أو أنهم لا يستعملونها في طلب رضوان الله. وقيل: نعمة الله نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونه ثم ينكرون نبوّته عنادا. وإنما قال: وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ لأنه استعمل الأكثر مقام الكل أو أراد البالغين العقلاء منهم دون الأطفال والمجانين، أو أراد كفر الجحود ولم يكن كفر كلهم كذلك بل كان فيهم من كفر للجهل بصدق الرسول، أو لأنه لم تقم الحجة عليه بعد هذا ما قاله المفسرون. قلت: ويحتمل أن يراد بالكافرين المصرين الثابتين على كفرهم وقد علم الله أن في مطلق الكفرة من يؤمن فلهذا استثناهم والله تعالى أعلم.

[التأويل:]

فضل الأرواح على القلوب في رزق المكاشفات والمشاهدات بعد الفناء والرد إلى البقاء، وفضل القلوب على النفوس في رزق الزهد والورع والتقوى والصدق واليقين والإيمان والتوكل والتسليم والرضا، وفضل النفوس على الأبدان في رزق التزكية والتخلية والتحلية، وفضل أبدان المؤمنين على أبدان الكافرين بحمل أعباء الشريعة. فما الأرواح برادّي رزقهم على القلوب، ولا القلوب على النفوس، ولا النفوس على الأبدان.

أفبنعمة الله التي أنعم بها على أوليائه تجحدون يا منكري هذا الحديث وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً يعني ازدواج الأرواح والأشباح وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وهم القلوب وَحَفَدَةً وهن النفوس أَفَبِالْباطِلِ وهو الزخارف والوساوس يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ التي أنعم بها على أرباب القلوب يَكْفُرُونَ ويعبدون من دون الله كالدنيا والهوى ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً من سموات القلوب وأرض النفوس شيئا من الكمالات التي أودع الله فيهن، ولا يستخرج منها إلا بعبادة الله ولا يستطيعون استخراجها بعبادة غير الله فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ بأن تريدوا أن تصلوا إلى المقاصد بغير طريق الله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً للهوى وللدنيا وَمَنْ رَزَقْناهُ ولاية كاملة يتصرف بها في بواطن المستعدين وظواهرهم. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أولياء الله لأنهم تحت قباب الله لا يعرفهم غيره.

أَحَدُهُما أَبْكَمُ هو النفس الحيوانية التي لا تقدر على شيء من العلم والعقل والإيمان وهو ثقل على مولى الروح المسمى بالنفس الناطقة. لا يَأْتِ بِخَيْرٍ لأنها أمارة بالسوء وَلِلَّهِ غَيْبُ سموات الأرواح وأرض النفوس لا يقف على خاصيتهما غيره، ولو وكل كلا منهما إلى طبعها لم ترجع إلى ربها، ورجوعها يكون بالإماتة والإحياء ويميتها عن أوصافها ويحييها بصفاته وهو المراد بأمر الساعة لأن الإماتة بتجلي صفات الجلال والإحياء بتجلي صفات الجمال، وإذا تجلى الله لعبد لم يبق له زمان ولا مكان فلذلك قال: أَوْ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>