للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجرد كما يقوله الفلاسفة. وعلى التقادير فلا امتناع في بقاء ذلك الشيء مع تطرق التغير إلى هذا الهيكل وهذا هو المسخ، وبهذا التأويل يجوز في الملك الذي تكون جثته في غاية العظم أن يدخل حجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولأنه لم يتغير منهم إلا الخلقة والصورة والعقل، والفهم باق فإنهم يعرفون ما نالهم بشؤم المعصية من تغير الخلقة وتشوّه الصورة وعدم القدرة على النطق وسائر الخواص الإنسانية، فيتألمون بذلك ويتعذبون، ثم أولئك القرود بقوا أو أفناهم الله، وإن بقوا فهذه القرود التي في زماننا من نسلهم أم لا، الكل جائز عقلا إلا أن الرواية عن ابن عباس أنهم ما مكثوا إلا ثلاثة أيام ثم هلكوا فَجَعَلْناها أي المسخة أو القردة أو قرية أصحاب السبت أو هذه الأمة نَكالًا عقوبة شديدة رادعة عن الإقدام على المعصية. والنكول عن اليمين الامتناع عنها. ولم يقصد بذلك ما يقصده الناس من التشفي وإطفاء نائرة الغيظ، وإنما جعلناها عبرة لما قبلها ومعها وبعدها من الأمم والقرون، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها وسيبلغ خبرها إلى الآخرين فيعتبرون، أو أريد بما بين يديها ما بحضرتها من القرى والأمم، أو جعلناها عقوبة لجميع ما ارتكبوه قبل هذا الفعل وبعده، هكذا قال بعضهم، والأولى عندي أن يقال: جعلناها عقوبة لأجل ذنوب تقدمت المسخة، ولأجل ذنوب تأخرت عنها، لأنهم إن لم يكونوا ممسوخين لم ينتهوا عنها فهم في حكم المرتكبين لها. ولا يلزم من ذلك تجويز العقاب على الذنب المفروض الموهوم لأنه أمر اعتباري، والعقوبة في نفسها واحدة ثابتة على حالها لم تزدد لأجل الذنب المتأخر شيئا، فليس الأمر فيه كمن ضرب عبده لأجل الإباق المتقدم مائة جلدة، ولأجل الإباق المتأخر المترقب مائة أخرى، ولكنه كمن قيد عبده أو حبسه لأجل الإباق المتقدم والإباق المترقب والله أعلم وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ لأن منفعة الاتعاظ تعود إليهم لا إلى غيرهم مثل هُدىً لِلْمُتَّقِينَ أو ليعظ المتقون بعضهم بعضا. وقيل: للمتقين الذين نهوهم عن الاعتداء من

صالحي قومهم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٧٤]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>