الإملاق والتزام الشح البالغ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وهو أضداد صفات المخلوقين من الغنى الكامل والجود الشامل وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي لا يغالب فلا يستضر بأن ينسب إليه ما لا يليق به الْحَكِيمُ في خلق الذكور والإناث أو في الوعيد على قتل البنات. قال القاضي: إن هؤلاء المشركين استحقوا الذم بإضافة البنات إلى الله وإنه أسهل من إضافة الفواحش والقبائح كلها إليه وهذا شأن المجبرة. وأجابت الأشاعرة بأنه ليس كل ما قبح منافي العرف فإنه يقبح من الله. ألا ترى أن رجلا لو زين إماءه وعبيده وبالغ في تحسين صورهن وتقوية الشهوة فيهم وفيهن، ثم جمع بين الكل وأزال الحائل والمانع فإن هذا بالاتفاق حسن من الله تعالى وقبيح من كل الخلق، فعلمنا أن التعويل على هذه الوجوه المبنية على العرف إنما يحسن إذا كانت مسبوقة بالدلائل القطعية اليقينية، وقد ثبت بالبراهين القطعية امتناع الولد على الله تعالى فلا جرم حسنت تقويتها بهذه الوجوه الإقناعية. أما أفعال العباد فقد ثبت بالدلائل اليقينية أن خالقها هو الله تعالى فكيف يمكن إلحاق إحدى الصورتين بالأخرى والله أعلم.
[التأويل:]
أن يخسف الله بهم أرض البشرية ودركات السفل أو يأتيهم العذاب بالمكر والاستدراج من حيث لا يشعرون، أنه من أين أتاهم من قبل الأعمال الدنيوية أو من قبل الأعمال الأخروية أو يأخذهم في تقلبهم من أعمال الدنيا إلى أعمال الآخرة بالرياء، ومن أعمال الآخرة إلى أعمال الدنيا بالهوى أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ تنقص من مقاماتهم ودرجاتهم بلا شعورهم فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ بالعباد إذ أعطاهم حسن الاستعداد رَحِيمٌ حين لا يأخذهم بعد إفساد الاستعداد في الحال لعلهم يتوبون في المآل فيقبل توبتهم بالفضل والنوال. ما خلق الله من شيء وهو عالم الأجسام فإن عالم الأرواح خلق من لا شيء يتفيأ ظلاله، فإن الأجسام ظلال الأرواح فتارة تميل بعمل أهل السعادة إلى أصحاب اليمين، وأخرى تميل بعمل أهل الشقاء إلى أصحاب الشمال سُجَّداً لِلَّهِ منقادين لأمره مسخرين لما خلقوا لأجله. وإنما وحد اليمين وجمع الشمال لكثرة أصحاب الشمال، وسجود كل موجود يناسب حاله كما أن تسبيح كل منهم يلائم لسانه وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ أراد بالإله الآخر الهوى
لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما عبد إله أبغض على الله من الهوى»
وَيَجْعَلُونَ يعني أصحاب النفوس والأهواء لِما لا يَعْلَمُونَ لمن لا علم لهم بأحوالهم نَصِيباً بالرياء مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الطاعات تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ والسؤال عن المعاملات إنما هو بتبديل الصفات وتغير الأحوال من سمة السعادة إلى سمة الشقاوة وبالعكس وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ أظن أن البنات إشارة إلى صفات فيها نوع نقص