للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتراض عليه لأحد. وأجيب بأنه يشبه الحجة وليس حجة في الحقيقة. قوله: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ لا بد له من مستدرك لأن لكِنِ لا يبتدأ به. وفي ذلك المستدرك وجهان: أحدهما أن هذه الآيات بأسرها جواب عن قول اليهود لو كان نبيا لنزل عليه الكتاب جملة، وهذا الكلام يتضمن أنه هذا القرآن ليس كتابا نازلا عليه من السماء فلا جرم قيل: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بأنه نازل عليه من السماء. الثاني أنه تعالى لما قال: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قال القوم:

نحن لا نشهد لك بذلك فنزل لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ ومعنى شهادة الله إنزال القرآن بحيث عجز عن معارضته الأولون والآخرون أي يشهد لك بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله إليك.

ثم فسر ذلك وأوضح بقوله: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ أي متلبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، أو بسبب علمه الكامل مثل: كتبت بالقلم وهذا كما يقال في الرجل المشهور بكمال الفضل إذا صنف كتابا واستقصى في تحريره إنما صنف هذا بكمال علمه يعني أنه اتخذ جملة علومه آلة ووسيلة إلى تصنيف ذلك الكتاب، أو أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه، أو أنزله بما علم من مصالح العباد فيه، أو أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من شياطين الجن والإنس. وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ لأنهم لا يسبقونه بالقول فشهادته تستتبع شهادتهم ومن صدقه رب العالمين وملائكة السموات والأرضين لم يلتفت إلى تكذيب أخس الناس إياه وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وإن لم يشهد غيره إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وَصَدُّوا غيرهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بإلقاء الشبهات كقولهم: لو كان رسولا لأنزل عليه القرآن دفعة كما نزلت التوراة على موسى، وكقولهم إن شريعة موسى لا تنسخ وإن الأنبياء لا يكونون إلّا من ولد هارون وداود قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً لأن غاية الضلال أن ينضم معه الإضلال.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتمان بعثته أو عوامهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم.

ومعنى قوله: وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً أنهم لا يسلكون إلّا الطريق الموصل إلى جهنم أو لا يهديهم يوم القيامة إلّا طريقها. والعامل في خالِدِينَ معنى لا ليهديهم أي يعاقبهم أو يدخلهم النار خالدين. وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً لأنه لا صارف له عن ذلك ولا يتعذر عليه إيصال الألم إليه شيئا بعد شيء إلى غير النهاية. واللام في الَّذِينَ إما لقوم معهودين علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر، وإما للاستغراق فيجب أن يضمر شرط عدم التوبة. وحمل المعتزلة قوله: وَظَلَمُوا على أصحاب الكبائر بناء على أنه لا فرق عندهم بين الكافر وصاحب الكبيرة في أنه لا يغفر لهما إلّا بالتوبة.

[التأويل:]

أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً لعل خرة موسى بلن تراني كانت بشؤم القوم وما كان في أنفسهم من سوء أدب هذا السؤال لئلا يطمعوا في مطلوب لم يعطه نبيهم، فما اتعظوا بحالة نبيهم لأنهم كانوا أشقياء والسعيد من وعظ بغيره. فكما زاد عنادهم زاد بلاؤهم وابتلاؤهم

<<  <  ج: ص:  >  >>