الخطاب للذين شدوا أنفسهم على السواري. وفي الآية دلالة على فضيلة الصدق وكمال درجته. ومن خصائص الصدق ما
روي أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أريد أن أؤمن بك إلا أني أحب الخمر والزنا والسرقة والكذب والناس يقولون إنك تحرم هذه الأشياء كلها ولا طاقة لي بتركها بأسرها، فإن قنعت مني بترك واحد منها آمنت بك، فقبل ذلك وشرط له الصدق ثم أسلم. فلما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضوا عليه الخمر فقال: إن شربت وسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شربها وكذبت فقد نقضت العهد، وإن صدقت أقام الحد علي فتركها، ثم عرض عليه الزنا فجاءه ذلك الخاطر فتركه، وكذا في السرقة فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أحسن ما فعلت، لما منعتني عن الكذب انسد أبواب المعاصي علي وتبت عن الكل.
ومن فضائل الصدق أن الإيمان منه لا من سائر الطاعات، ومن معايب الكذب أن الكفر منه لا من سائر الذنوب، ومن مثالب الكذب أن إبليس مع تمرّده وكفره استنكف منه حتى استثنى في قوله لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: ٨٢] . ثم المقتضي لقبح الكذب هو كونه كذبا عند المعتزلة وكونه مفضيا إلى المفاسد عند الأشاعرة والله أعلم.
[التأويل:]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى في التقدير الأزلي ولهذا تيسر لهم الآن بذل النفس والمال في الجهاد الأصغر وفي الجهاد الأكبر، وإنه كما اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ اشترى من أوليائه الصديقين قلوبهم وأرواحهم بأن لهم الجنة. التَّائِبُونَ عما سوى الله الْعابِدُونَ المتوجهون إليه على قدم العبودية الْحامِدُونَ له على ما وفقهم لنعمة طلبه السَّائِحُونَ السائرون إليه بقدمي الصبر والشكر أو التبري والتولي الرَّاكِعُونَ أي الراجعون عن مقام القيام بوجودهم إلى القيام بموجدهم السَّاجِدُونَ الساقطون على عتبة الوحدة بلاهم الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ الحقيقي النَّاهُونَ عما سواه وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ لئلا يتجاوزوا عن طلبه إلى طلب غيره. ما كانَ لِلنَّبِيِّ فيه أن الاجتهاد ليس سببا لنيل المراد، وأن الهداية من مواهب الربوبية لا من مراتب العبودية إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ الأواه هو المتبرئ من المخلوقات لكثرة نيل المواجيد والكرامات فيكون لضيق البشرية تولاه مولاه، فمهما ورد له وأراد الحق ضاق عليه نطاق الخلق فيتأوه عند تنفس القلب المضطر من الخلق إلى الحق. حَلِيمٌ عما أصابه من الخلق للحق فلا رجوع له من الحق إلى الخلق بحال من الأحوال ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم لجبرائيل حين سأله ألك حاجة: أما إليك فلا
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً ليردّهم بالمكر إلى الاثنينية والبعد بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ إلى الوحدانية والفردانية بالتوحيد والتفريد حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ من آفات