إنه سبحانه لما وعدهم النصر على الأعداء إن هم صبروا واتقوا وخلاف ذلك إن لم يصبروا، أتبعه قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ يعني أنهم يوم أحد كانوا كثيرين مستعدين للقتال، فلما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم انهزموا، ويوم بدر كانوا قليلين غير مستعدين لكنهم أطاعوا أمر الرسول فغلبوا واستولوا على خصومهم. ووجه آخر في النظم وهو أن الانكسار يوم أحد إنما حصل بسبب تخلف عبد الله بن أبيّ بن سلول المنافق، وذلك يدل على أنه لا يجوز اتخاذ المنافقين بطانة. قال أبو مسلم: هذا كلام معطوف بالواو على قوله: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا [آل عمران: ١٣] أي قد كان لكم مثل تلك الآية إذ غدا الرسول يبوىء المؤمنين. والجمهور على أنه منصوب بإضمار «اذكر» . وعن الحسن أن هذا الغدو كان يوم بدر. وعن مجاهد أنه يوم الأحزاب. وأكثر العلماء بالمغازي على أن هذه الآية نزلت في واقعة أحد. وهو قول ابن عباس والسدي وابن إسحق والربيع والأصم وأبي مسلم.
روي أن المشركين نزلوا بأحد يوم الأربعاء، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودعا صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبيّ ولم يدعه قط قبلها فاستشاره. فقال عبد الله وأكثر الأنصار: يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟ فدعهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة، وإن رجعوا رجعوا خائبين. وقال بعضهم: يا رسول الله اخرج بنا إلى هؤلاء إلا كلب لا يرون أنا قد جبنا عنهم. وقال صلى الله عليه وسلم: إني رأيت في منامي بقرا مذبحة حولي فأوّلتها خيرا، أو رأيت في ذباب سيفي ثلما فأولته هزيمة، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة فأوّلتها المدينة. فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم. فقال رجال من المسلمين- قد فاتتهم بدر وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد-: أخرج بنا إلى أعدائنا فلم يزالوا به صلى الله عليه وسلم حتى دخل فلبس لأمته. فلما رأوه قد لبس لأمته ندموا وقالوا: بئسما صنعنا، نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه. فقالوا: اصنع يا رسول الله ما رأيت. فقال: لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل. فخرج يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة من المدينة.
قالوا من منزل عائشة وهو المراد بقوله: مِنْ أَهْلِكَ
عن مجاهد والواحدي أنه مشى على رجليه إلى أحد وأصبح بالشعب منها يوم السبت للنصف من شوّال.
وجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوّم بهم القداح إن رأى صدرا خارجا قال: تأخر. وكان نزوله في جانب الوادي، وجعل صلى الله عليه وسلم ظهره وعسكره إلى أحد. وأمر صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جبير على الرماة وقال لهم:
انضحوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا.
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اثبتوا في هذا المقام فإذا