يا محمد، أخبرنا عن كذا وكذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة أن اليهود قد غلبوا فنزلت هذه الآية. أي لا تعجل بنزول القرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه من اللوح المحفوظ إلى إسرافيل ومنه جبرائيل ومنه إليك.
وعن الحسن: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: زوجي لطم وجهي فقال: بينكما القصاص فنزلت الآية فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصاص.
وإنما نشأت هذه الأقوال لأن قوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ يحتمل التعجيل بقراءته في نفسه، أو في تأديته إلى غيره، أو في اعتقاده ظاهره، أو في تعريف الغير ما يقتضيه الظاهر. وقوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ احتمل أن يراد من قبل أن يقضى إليك تمامه، أو من قبل أن يقضى إليك بيانه فقد يجوز أن يحصل عقيبه استثناء أو شرط أو غيرهما من المخصصات والمبينات ويؤكد هذه المعاني قوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً لأن معرفة البيان علم زائد على معرفة الإجمال. والظاهر أن هذا الاستعجال كان أمرا اجتهاديا وكان الأولى تركه فلذلك نهى عنه. قال جار الله: هذا الأمر متضمن للتواضع لله والشكر له عند ما علم من ترتيب التعلم أي علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم وأدبا جميلا ما كان عندي فزدنى علما إلى علم. ومن فضائل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم. وفيه إشارة إلى أن أسرار القرآن غير متناهية، اللهم إن هذا العبد الضعيف معترف بقصوره ونقصانه فأسألك مما سألك به نبيك أن ترزقني بتبعيته علما ينفعني في الدارين.
[التأويل:]
وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى القلب أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي وهم صفات القلب من الأخلاق الحميدة سر بهم من مصر البشرية إلى بحر الروحانية. فَاضْرِبْ لَهُمْ بعصا الذكر طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً من ماء الهوى وطين الصفات الحيوانية وباقي التأويل كما مر في «يونس» وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ منّ صفاتنا وسلوى أخلاقنا فاتصفوا بطيبات أخلاقنا وَلا تَطْغَوْا فِيهِ بإفشاء أسرار الربوبية إلى غيرنا كمن قال: أنا الحق وسبحاني. فإن الحالات لا تصلح للمقاولات. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ رجع عن الطغيان وَآمَنَ بالربوبية وَعَمِلَ صالِحاً في مقام العبودية ثُمَّ اهْتَدى فتحقق أن حضرة الربوبية منزهة عن دنس الوهم والخيال ومقام الوصال مباين للقيل والقال. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ فيه أن الشوق إذا غلب انقطع العلائق وأن مطلوب السائل لا ينبغي أن يكون إلا رضا الله. قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ فيه أن فتنة الأمة والمريد مقرونة بالنبي والشيخ. بِمَلْكِنا أي بإرادتنا ومشيئتنا ولكن بإرادة الله ومشيئته. فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ من غير اختيار منه ولكن باضطرار من