كقوله صلى الله عليه وسلم «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني»«١»
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ما لم يكن في حسابها من الولد بلا أب، ومن الفاكهة بلا شجرة، ومن المعجزات بلا نبوة، ومن العلوم اللدنية بلا واسطة هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ كما أنه تعالى جعل إطعام الطائر فرخه سبب تحريك قلب حنة لطلب الولد، فكذلك جعل حالة مريم وما كان يأتيها من الرزق خارقا للعادة سبب تحريك قلب زكريا قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أي ولدا يكون روحه من الصف الأول من صفوف الأرواح المجندة، وهو المطهر من لوث الحجاب والوسط الصالح للنبوة والولاية بخلاف الصف الثاني الذي هو لأرواح الأولياء وبينه وبين الله تعالى حجاب الصف الأول، وبخلاف الصف الثالث الذي هو لأرواح المؤمنين، وبخلاف الصف الرابع الذي هو لأرواح المنافقين والمشركين فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ بالله يُصَلِّي بسائر سره في الملكوت يحارب نفسه وهواه في المحراب إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى لأنه منذ خلق ما ابتلى بالموت لا بموت القلب بالمعاصي ولا بموت الصورة لأنه استشهد والشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون. مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وهي قوله: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مريم: ١٢] وَسَيِّداً أي حرا من رق الكونين بل سيدا لرقيقي الكونين وَحَصُوراً نفسه عن التعلق بالكونين وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ من أهل الصف الأول رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ لم يكن استبعاده من قبل القدرة الإلهية ولكن من جهة استحقاقه لهذه الكرامة آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ لغلبات الصفات الروحانية عليك واستيلاء سلطان الحقيقة على قلبك، فإن النفس الناطقة تكون مغلوبة في تلك الحالة بشواهد الحق في الغيب، فلا تفرغ لإجراء عادتها في الشهادة بالكلام إِلَّا رَمْزاً ولهذا يقوى الروح الحيواني وتستمد منه القوة البشرية فيحيي الله تعالى به الشهوة الميتة فسمى ما تولد من الشهوة الميتة التي أحياها الله يحيى. ولاستمرار هذه الحالة في الأيام الثلاثة أمر بالمراقبة ليلا ونهارا وعشيا وإبكارا حسبي الله.