للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجتمعان. حجة الشافعي أن

قوله صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤدى» «١»

يوجب الضمان.

وقد اجتمع في هذه السرقة أمران، وحق الله لا يمنع حق العباد ولهذا يجتمع الجزاء والقيمة في الصيد المملوك، ولو كان المسروق باقيا وجب رده بالاتفاق. حجة أبي حنيفة قوله تعالى: جَزاءً بِما كَسَبا والجزاء هو الكافي، فهذا القطع كاف في جناية السرقة. ورد بلزوم رد المسروق عند كونه قائما. أما كيفية القطع

فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فقطع يمينه.

قال الشافعي: فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فإن سرق ثالثا فيده اليسرى، فإن سرق رابعا فرجله اليمنى، وبه قال مالك. وروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

وعند أبي حنيفة وأحمد لا يقطع في الثانية وما بعدها لما

روي عن ابن مسعود أنه قرأ فاقطعوا أيمانهما،

وضعفه الشافعي بأن القراءة الشاذة لا تعارض ظاهر القرآن المقتضي لتكرر القطع بتكرر السرقة. واتفقوا على أنه يقطع اليد من الكوع، والرجل من المفصل بين الساق والقدم. والسيد يملك إقامة الحد على مماليكه لعموم قوله: فَاقْطَعُوا ولم يجوّزه أبو حنيفة. واحتج المتكلمون بالآية في أنه يجب على الأمة نصب الإمام لأن هذا التكليف لا يتم إلّا به وما لا يتم الواجب إلّا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب. وانتصاب جَزاءً ونَكالًا على أنه مفعول لهما، والعامل فَاقْطَعُوا وإن شئت فعلى المصدر من الفعل الذي دل عليه: فَاقْطَعُوا أي جازوهم ونكلوا بهم جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ.

فَمَنْ تابَ من السراق مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ أي سرقته وَأَصْلَحَ أي يتوب بنية صالحة وعزيمة صحيحة خالية عن الأغراض الفاسدة فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ وعند بعض الأئمة تسقط العقوبة أيضا. وعند الجمهور لا تسقط. وباقي الآيات قد مر تفسيره. وإنما قدم التعذيب على المغفرة طباقا لتقدم السرقة على التوبة.

[التأويل:]

إن آدم الروح بازدواجه مع حواء القالب ولد قابيل النفس وتوأمته إقليما الهوى، ثم هابيل القلب وتوأمته ليوذا العقل، فكان الهوى في غاية الحسن في نظر النفس فبه تميل إلى الدنيا ولذاتها. وكان في نظر القلب أيضا في غاية الحسن فبه يميل إلى طلب المولى، وكان العقل في نظر النفس في غاية القبح لأنها به تنزجر عن طلب الدنيا، وكذا في نظر القلب لأنه بالعقل يمتنع عن طلب الحق والفناء في الله ولهذا قيل: العقل عقيله الرجال، فحرم الله تعالى الازدواج بين التوأمين لأن الهوى إذا كان قرين النفس أنزلها أسفل سافلين الطبيعة، وإذا كان قرين القلب كان عشقا فيوصله إلى أعلى فراديس القرب، وإذا


(١) رواه أبو داود في كتاب البيوع باب ٨٨. الترمذي في كتاب البيوع باب ٣٩. ابن ماجه في كتاب الصدقات باب ٥. الدارمي في كتاب البيوع باب ٥٦. أحمد في مسنده (٥/ ١، ١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>