به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز، وقوله: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ إشارة إلى تكذيبهم قبل أن يمتحنوا غيوبه هل تطابق الواقع أم لا. ثم ختم الآية بقوله: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ والمراد أنهم طلبوا الدنيا وأعرضوا عن الآخرة فلم تبق عليهم الدنيا وفاتتهم الآخرة فبقوا في خسران الدارين. وقيل: المقصود عذاب الاستئصال الذي نزل بالمكذبين قبلهم. ثم قسم طوائف الأمم المكذبين فقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أي بالقرآن أو بالرسول أي يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكنه يعاند وَمِنْهُمْ من يشك فيه لا يصدق به لا ظاهرا ولا باطنا، ويمكن أن يقال: المراد به قسمتهم في الاستقبال أي ومنهم من سيؤمن به ومنهم من يبقى على الكفر فتكون الآية كالعذر في تبقيتهم وعدم استئصالهم وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ فيجازيهم على حسب مراتبهم في التكذيب ويعلم طوياتهم هل يتوبون أو يصرفون. ثم بين اختصاص كل مكلف بأفعاله وبنتائج أعماله من الثواب والعقاب فقال: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي أي جزاء عملي على الطاعة والإيمان وتبليغ الرسالة وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ قال مقاتل والكلبي: هي منسوخة بآية القتال. والتحقيق أن آية القتال لا تدفع شيئا من مدلولات هذه فلا نسخ والله أعلم.
[التأويل:]
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ أي من ينزل من سماء النفس مطر الهواجس ويخرج من أرض النفس نبات الأفعال والأعمال، وينزل من سماء القلب مطر أثار فيض الروح ويخرج من أرض النفس نبات الصفات البشرية والحيوانية، أو ينزل من سماء الروح مطر فيض الروح ويخرج من أرض القلب نبات الأوصاف الحميدة، أو ينزل من سماء القدرة مطر تجلي الصفات والفيض الرباني ويخرج من أرض الروح المحبة والأخلاق الإلهية، أو ينزل من سماء الذات مطر تجلي الصفات ويخرج من أرض الوجود نبات الفناء في الله وثمرات البقاء بالله أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ فيكون سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به يبصر. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ النفس من القالب والقلب من الروح والروح من القلب وبالعكوس وَمَنْ يُدَبِّرُ أمر الإنسان بالتربية من التراب إلى أن يصل إلى رب الأرباب.
فسيقولون هذه الأحوال كلها من الله فقل لمن بلغ نظره إلى هذه المراتب العلية وإنها عتبة باب التوحيد والمعرفة أَفَلا تَتَّقُونَ بالله عن غيره لتدخلوا بيت الوحدة كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ هكذا جرى القلم في الأزل على الذين خرجوا عن قبول فيض النور حين رش على الخلق من نوره. وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ وتفصيل الجملة التي هي مكتوبة عنده في أم الكتاب وهو علمه القائم بذاته. وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ الذين أفسدوا استعدادهم الفطري والله أعلم.