كما تزعمون فَأْتُوا أنتم على وجه الافتراء بِسُورَةٍ مِثْلِهِ في البلاغة وحسن النظم فأنتم مثلي في العربية والفصاحة وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي لا تستعينوا بالله وحده ثم استعينوا بكل من سواه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنه افتراه. قال بعض العلماء: هذه الآية في سورة يونس وهي مكية، فلعل المراد بالسورة المتحدّي بها هذه السورة. والأصح أن التحدي واقع على أقصر سورة. قالت المعتزلة: لو لم يكن الإتيان بمثل القرآن صحيح الوجود في الجملة لم يتحدّ العرب به لكنهم تحدّوا بذلك فدل على أن القرآن محدث إذ لو كان قديما والإتيان بالقديم محال لم يصح هذا التحدي. وأجيب بأن القرآن يقال بالاشتراك على الصفة القديمة القائمة بذات الله وعلى هذه الحروف والأصوات المحدثة، والتحدي إنما وقع بهذه لا بتلك بَلْ كَذَّبُوا سارعوا إلى التكذيب بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وهو القرآن وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ومعنى التوقع فيه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل تقليدا للآباء، وكذبوا به بعد التدبر وتكرير التحدي عليهم واستيقان عجزهم عن هذا بغيا وحسدا وعنادا. وذلك إنما حملهم على التكذيب أوّلا وآخرا وجوه منها: أنهم وجدوا في القرآن أقاصيص الأولين ولم يعرفوا المقصود منها فقالوا أساطير الأوّلين، وخفي عليهم أن الغرض منها بيان قدرة الله تعالى على التصرف في هذا العالم ونقل الأمم من العز إلى الذل وبالعكس، ليعرف المكلف أن الدنيا ليست مما يبقى، فنهاية كل حركة سكون وغاية كل سكون أن لا يكون كقوله: عز من قائل لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف: ١١١] . ومنها أنهم كلما سمعوا حروف التهجي في أوائل السور ولم يفهموا منها شيئا ساء ظنهم بالقرآن فأجاب الله تعالى عنه بقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ إلى قوله: وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ [آل عمران: ٧] الآية. ومنها أنهم رأوا القرآن يظهر شيئا فشيئا فاتهموا النبي وقالوا: لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة [الفرقان: ٣٢] ومنها أنهم وجدوا القرآن مملوءا من حديث الحشر والنشر، وكانوا قد ألفوا المحسوسات فاستبعدوا ذلك. وأنهم وجدوا فيه تكاليف كثيرة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وكانوا يقولون. إن إله العالم غني عنا وعن طاعاتنا كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قبل النظر في معجزات أنبيائهم. قال أهل التحقيق: في الآية دلالة على أن من كان غير عارف بوجوه التأويل قد يقع في الكفر والبدعة، لأن ظواهر النصوص قد تتعارض فيفتقر هنالك إلى تطبيق التنزيل على التأويل. وقيل: معنى الآية أن القرآن كتاب معجز من جهتين: من جهة إعجاز نظمه ومن جهة ما فيه من الأخبار بالغيوب ومن جملتها أحوال الآخرة. فقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ إشارة إلى التكذيب