للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل محسن. ثم بين أن إحسانه كان مسبوقا بإيمانه فعلى كل مؤمن أن يجتهد حتى يصير محسنا. وحين تمم ما آل إليه أمر نوح وذريته ذكر عاقبة سائر قومه فقال ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ أعاذنا الله من الإغراق والإحراق وجعل فلكنا فلك نوح وسفرنا متضمنا للنصر والفتوح.

[التأويل:]

وَالصَّافَّاتِ إشارة إلى ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجساد في أربعة صفوف: الأول للأنبياء، والثاني للأولياء، والثالث للمؤمنين، والرابع لأهل الكفر فَالزَّاجِراتِ هي الإلهامات الربانية للعوام عن المناهي، وللخواص عن رؤية الأعمال، وللأخص عن الالتفات إلى غير الله فَالتَّالِياتِ ذِكْراً هم الذين يذكرون الله في الخلوات بخلوص النيات. رب سموات القلوب وأرض النفوس وما بينهما من صفاتهما ورب مشارق القلوب يطلع منها شموس الشواهد وأقمار الطوالع ونجوم اللوامع. السماء الدنيا هي الرأس، وكواكبها الحواس، والشهب هي الخواطر الرحمانية تدفع بها الوساوس الشيطانية طِينٍ لازِبٍ أي لاصق بكل ما يصادفه فقوم لصقوا بالدنيا وقوم لصقوا بالآخرة وقوم لصقوا بنفحات ألطاف الحق، فأذابتهم وجذبتهم عن أنانيتهم بهويتها كما تذيب الشمس الثلج وتجذبه عنه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ للسالك في كل مقام وقفة تناسب ذلك المقام وهو مسؤول عن أداء حقوق ذلك المقام. فقوم يسألهم الملك وقوم يسألهم الملك، والأوّلون أقوام لهم أعمال صالحة تصلح للعرض والكشف. والآخرون قسمان: قوم لهم أعمال يسترها الحق عن اطلاع الخلق عليهم في الدنيا والآخرة كما

قال «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري»

وقوم لهم ذنوب لا يطلع عليها إلا الله فيسترها عليهم كما

جاء ذكره في الحديث «إن الله يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كتفه يستره من الناس فيقول: أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب. ثم يقول: أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ثم يقول: أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب. حتى إذا قرره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته» «١»

إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وهي الموتة الإرادية عن الصفات النفسانية وبعد ذلك لا موت، بل ينتقل من دار إلى دار. لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ بل لمثل هذه الأمور تبذل الأرواح وتفدى الأشباح كما قيل: (شعر)


(١) رواه البخاري في كتاب تفسير سورة ١١ باب ٤. مسلم في كتاب التوبة حديث ٥٢. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب ١٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>