علل جعل الشجرة فتنة للظالمين بقوله فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها أي من طلعها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ أي بطونهم إما لأن شدّة الجوع تحملهم على تناول ذلك الشيء الكريه، وإما لأن الزبانية يقسرونهم على أكلها ليكون بابا من العذاب، فإذا شبعوا غلبهم العطش أو أخذتهم الغصة فيسقون من حميم وهو الماء الشديد الحرارة، وقد وصفه الله سبحانه في قوله وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف: ٢٩] والشوب المزج كما قال في صفة شراب أهل الجنة وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ [المطففين: ٢٧] وهو تسمية بالمصدر والمراد أن الطعام مزج بالحميم أو يسقون صديدا أو شرابا حارا ممزوجا بما هو أحر وهو الحميم.
ومعنى «ثم» التراخي في الزمان كأنهم لا يسقون إلا بعد مدة مديدة تكميلا للتعذيب، أو التراخي بالرتبة لأن الشراب أبشع من الطعام بكثير. قال مقاتل: معنى «ثم» في قوله ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ أنهم يخرجون من الجحيم ودركاتها إلى موضع فيه الزقوم والحميم، وبعد الأكل والشرب يردّون إلى موضعهم أي من الجحيم فكأنهم في وقت الأكل والشرب لا يعذبون بالنار. وقيل: هو كقولهم «فلان يرجع إلى مال ونعمة» أي هو فيها. وقيل:«ثم» لتراخي الأخبار أي فقد صح أن مرجع الكفار إلى النار. وقيل:«ثم» مع الجملة قد تدل على التقديم أي قبل ذلك كان مرجعهم إلى الجحيم. ثم بين أن سبب وقوعهم في أصناف العذاب المذكور هو التقليد. والإهراع الإسراع الشديد كأنهم يساقون سوقا ولو لم يوجد في ذم التقليد إلا هذه الآية لكفى. ثم أراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم إجمالا بقوله وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أي قبل قومك أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ثم استثنى من قوله وَلَقَدْ ضَلَّ أو من الْمُنْذَرِينَ المهلكين عباده المخلصين فإن عاقبتهم كانت حميدة. ثم سلاه بوقائع الأمم الخالية تفصيلا. وقدّم قصة نوح عليه السلام لكونه أبا ثانيا ونداؤه في قوله رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ [المؤمنون:
٢٦] أو قوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: ٢٦] واللام الداخلة على فَلَنِعْمَ جواب قسم محذوف أو للابتداء، والمخصوص بالمدح وهو نحن محذوف، والجمع لتصوير العظمة والكبرياء، وفيه وفي فاء التعقيب في فَلَنِعْمَ دليل على أن نداء العظيم الكبير حقيق بأن يكون مقرونا بإجابة. والكرب العظيم ما هو فيه من مخاوف الطوفان أو من إيذاء قومه مع اليأس من إيمانهم وهذا أقرب. وفي قوله هُمُ الْباقِينَ بصيغة الحصر دلالة على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فنوا. روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير ذريّته وهم سام وحام ويافث. فسام أبو العرب وفارس والروم، وحام أبو السودان شرقا وغربا، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وتركنا عليه في المتأخرين من الأمم هذه الكلمة وهي سَلامٌ عَلى نُوحٍ ومعنى فِي الْعالَمِينَ أن هذه التحية ثبتها الله فيهم فيسلم الثقلان عليه إلى يوم القيامة. ثم بين أن سبب هذه التشريفات هو كونه محسنا وهذا جزاء