للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى المباشر فقد يضاف أيضا إلى المتسبب مثل «بنى الأمير دارا» وإنما ذهبنا إلى هذا وإن كان مجازا لدلالة الحديث على بطلان هذا النكاح هذا. وأما قوله ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ فالخطاب فيه إما للرسول أو لكل أحد على الانفراد كما أن الخطاب في قوله في سورة الطلاق ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ [الطلاق: ٢] للمكلفين مجموعين. وقوله مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تخصيص لهم بالوعظ لأنهم هم المنتفعون بذلك. ومن استدل بهذا على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة يكذبه التكاليف العامة كقوله وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وأيضا لا يلزم من تخصيص العظة بالمؤمنين تخصيص التكليف بهم ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ أي أنمى وهو إشارة إلى استحقاق الثواب الدائم، وأطهر أي من أدناس الآثام وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لأن علمه تعالى فعلي كامل وعلمنا انفعالي ناقص. فقد تخفى المصلحة والعاقبة علينا، أو تشتبه المصلحة بالمفسدة فلا صلاح للمكلف إلا في طاعة علام الغيوب ليحوز سعادة الدارين والله ولي التوفيق.

[التأويل:]

إنه سبحانه من كمال الكرم والاصطناع إذا صدر من العبد أمارات النشوز والانقطاع أمهله إلى انقضاء عدة الجفاء، فلعله يعود إلى إقامة شرائط الوفاء، وتتحرك داعية في صميم قلبه من نتائج محبة ربه، إذ لم يكن له أن يكتم ما خلق الله في رحم قلبه من المحبة. وإن ابتلاه الله بمحنة الفرقة فيقرع بأصبع الندامة باب التوبة، ويقوم على قدم الغرامة في طلب الرجعة والأوبة فيقال له من غاية الفضل والنوال: يا قارع الباب دع نفسك وتعال، من طلب منا فلاحا فليلزم عتبتنا مساء وصباحا. وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ أي للعباد حق في ذمة الربوبية كما أن لله تعالى حقا في ذمة عباده، فإذا تقرب العبد إليه شبرا فالله أحق برعاية الحق قيقرب إليه ذراعا. والفضل له على الإطلاق لا بدرجة بل بدرجات غير متناهية وَاللَّهُ عَزِيزٌ أعز من أن يراعي العباد مع عجزهم كمال حقوقه حَكِيمٌ لا تقتضي حكمته أن يطالبهم بما ليس في وسعهم بل يقبل منهم القليل ويوفيهم الثواب الجزيل الطَّلاقُ مَرَّتانِ يعني أن أهل الصحبة لا يفارقون بجريمة ولا جريمتين كما في قصة موسى والخضر. ثم في الثالثة إن سلكوا سبيل الهجران فلا يحل للإخوان أن يواصلوا الخوان حتى يصاحب الخائن صديقا مثله، فإن ندم بعد ذلك عن أفعاله وسام ذلك الصديق وأمثاله ورجع إلى صحبة أشكاله فَلا جُناحَ في التراجع إِنْ ظَنَّا فيه خيرا ولا يجوز لأحد من الإخوان أن يعضله من صحبة الأقران. وفيه أن الله تعالى يتجاوز عن زلات العبد مرة بعد أخرى، فإذا أصر العبد ابتلاه بالخذلان وجعله قرين الشيطان كما قال: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ [الزخرف:

<<  <  ج: ص:  >  >>