للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْسَلِينَ هـ بِآيَةٍ ط مِنَ الْجاهِلِينَ هـ يَسْمَعُونَ هـ يُرْجَعُونَ هـ مِنْ رَبِّهِ ط لا يَعْلَمُونَ هـ.

[التفسير:]

لما بيّن أحوال الكفار في الآخرة أتبعه بعض أسباب ذلك فقال وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ

قال ابن عباس: حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف واستمعوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: ما تقول في محمد؟ فقال: ما أدري ما يقول إلا أني أرى تحريك.

شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية.

وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى، وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه فنزلت الآية. والأكنة جمع كنان وهو كل ما وقى شيئا وستره من الأغطية والقفل، ومنه أكننت وكننت. وأن يفقهوه مفعول لأجله أي كراهة فقههم. والوقر الثقل في الآذان. والتركيب يدور على الثقل ومنه الوقر بالكسر الحمل، والوقار الحلم. وفي الآية دلالة على أن الله تعالى هو الذي يصرف عن الإيمان ويحول بين المرء وبين قلبه. وقالت المعتزلة: لا يمكن إجراؤها على ظاهرها وإلا كأن فيها حجة الكفار، ولأنه يكون تكليفا للعاجز. ولم يتوجه ذمهم في قولهم وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة: ٨٨] فلا بد من التأويل وذلك من وجوه الأول: قال الجبائي: إن القوم كانوا يسمعون لقراءة الرسول ليتوسلوا بسماع قراءته إلى مكانه بالليل فيقصدوا قتله وإيذاءه، فكان الله تعالى يلقي على قلوبهم النوم والغفلة، وعلى آذانهم الثقل. وزيف بأن المراد لو كان ذلك لقيل «أن يسمعوه» بدل «أن يفقهوه» . وبأن قوله وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ أي كل دليل وحجة لا يُؤْمِنُوا بِها لا يناسبه. الثاني: أن المكلف الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن وأنه يموت على الكفر يسم قلبه بعلامة مخصوصة لتستدل الملائكة برؤيتها فلا يبعد تسمية تلك العلامة بالكنان مع انها في نفسها ليست بمانعة عن الإيمان. الثالث: يقال: إنه جبل على كذا إذا كان مصرا عليه وذلك على جهة التمثيل.

الرابع: لما منعهم الألطاف التي تصلح أن تفعل بالمهتدين وفوّض أمورهم إلى أنفسهم لم يبعد أن يضيف ذلك إلى نفسه. الخامس: أن هذا حكاية قولهم فِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: ٥] وعورضت هذه الأدلة بالعلم والداعي، وذلك أن الله تعالى علم من الكافر أنه لا يؤمن وخلاف علمه محال، وأنه سبحانه هو الذي خلق فيهم داعية الكفر ومع وجود تلك الداعية يستحيل الإيمان فهو المعنى بالكنان. وتحقيق المسألة تقدم في أول سورة البقرة في قوله خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة: ٧] والإفراد في يَسْتَمِعُ والجمع في قُلُوبِهِمْ اعتبار اللفظ من تارة ولمعناه أخرى حَتَّى إِذا جاؤُكَ هي حتى المبتدأة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>