للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشك يبقى في قلوبهم أبدا ويموتون على النفاق. قال في الكشاف: يجوز أن يكون ذكر التقطيع تصويرا لحال زوال الريبة عنها، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار. وقيل: معناه إلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم.

[التأويل:]

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ الذين سبقت لهم العناية الأزلية، أو السابقون الأوّلون عند الخروج من العدم وهم أهل الصف الأول من الجنود المجندة، أو السابقون في جواب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ

[الأعراف: ١٧٢] الأولون في استماع هذا الخطاب، أو السابقون في استحقاق المحبة عند اختصاصهم بتشريف يحبهم في الأزل، الأولون بأداء حق المحبة في سر يحبونه، أو السابقون عند تخمير طينة آدم في مماسة ذراتهم يد القدرة، الأولون باستكمال تصرف القدرة في كمال الأربعين صباحا، أو السابقون عند رجوعهم بقدم السلوك إلى مقام الوصال، الأولون بالوصول إلى سرادقات الجلال، وهذا السبق مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأمته كما

قال: «نحن الآخرون السابقون» «١» .

مِنَ الْمُهاجِرِينَ عن الأوطان البشرية وَالْأَنْصارِ لهم في طلب الحق وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ بذلوا جهدهم في متابعتهم بقدر الإمكان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بإعطاء الاستعدادات الكاملة وَرَضُوا عَنْهُ بإيفاء حقوقها. وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ من أعراب صفات النفس مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ مدينة القلب فمن صفات النفس بعضها منافق كالقوة الشهوية للوقاع فإنها تتبدل بالعفة عند استيلاء القلب على النفس بسياسة الشريعة وتربية الطريقة ظاهرا لا حقيقة لأنها لا تتبدل بالكلية بل تميل إلى الشهوة إذا خليت وطباعها ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم: «وإن أخوف ما أخاف على أمتي النساء»

ومنها كافرة كالقوة الشهوية في طلب الغذاء فإنها باقية على طلبها ما دام البدن باقيا لاحتياجه إلى بدل ما يتحلل، ومنها مسلمة كالقوة الغضبية والشيطانية من الكبر والحسد والكذب والخيانة فإنها يحتمل أن تتبدل بأضدادها من التواضع والمحبة والصدق والأمانة عند استنارة النفس بنور الإيمان والذكر. فهذه الصفات وغيرها من صفات النفس ما لم تتبدل بالكلية أو لم تكن مغلوبة بأنوار صفات القلب ففيها بعض النفاق كما

قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدّث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق


(١) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب ٦٨. مسلم في كتاب الجمعة حديث ١٩، ٢١. النسائي في كتاب الجمعة باب ١. الدارمي في كتاب المقدمة باب ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>