للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز كأنه قيل: الإله المعبود يجب أن يكون بحيث يتولى الصالحين وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكون صالحة للإلهية وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا لا سماع سمع ولا سماع إجابة وَتَراهُمْ تحسبهم يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوّروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليك وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ لا يدركون المرئي. وقيل: الضمير في قوله وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إلى آخر الآية يعود إلى المشركين المار ذكرهم في قوله قُلِ ادْعُوا والمراد أنهم بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا بعقولهم البتة وَتَراهُمْ إلى الناس وإليك ينظرون ولكنهم لشدّة إعراضهم عن قبول الحق لم ينتفعوا بذلك النظر فكأنهم عمي يصدقه قوله في موضع آخر فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦] .

[التأويل:]

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لأرباب العقول النظر والاستدلال لتحصيل الإيمان، ولأرباب القلوب الولوج والكشف لحصول الإيقان والعيان وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يعني عالم الملك المخلوق من مادة بخلاف عالم الملكوت الذي أبدع من غير شيء وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ يعني أجل فنائهم عما سوى الحق، فإن لم يؤمنوا بطريق النظر استدلالا فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أي بعد النظر يُؤْمِنُونَ، يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ يريد الساعة التي يظهر الله تعالى فيها آثار صفة القهارية لإفناء عالم الصورة فلا يبقى منه داع ولا مجيب فيجيب هو بنفسه لمن الملك اليوم لله الواحد القهار لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ من الحياة الأبدية ورفع الحاجات البشرية.

خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هي الروح وخلق منها زوجها وهي القلب لِيَسْكُنَ إِلَيْها لأن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن فكان الروح يشم من القلب نسائم نفحات ألطاف الحق حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً في البداية بظهور أدنى أثر من آثار الصفات البشرية في القلب الروحاني فَلَمَّا أَثْقَلَتْ كثرت آثار الصفات خاف الروح والقلب على أنفسهما عن تبدل الصفات الروحانية الأخروية النورانية بالصفات النفسانية الدنيوية الظلمانية ف دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً قابلا للعبودية لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا أي الروح والقلب لَهُ شُرَكاءَ أي جعلا وجه النفس إلى الدنيا ونعيمها فصارت عبد البطن وعبد الخميصة وعبد الدرهم والدينار. وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً أي لا تستطيع الدنيا ومن فيها للروح والقلب والنفس تقوية وتربية إلا بالله وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ للبقاء والدوام.

<<  <  ج: ص:  >  >>