بالجسمانيات الزائلات، أما المفسرون فقد قالوا: فضل الله الإسلام، ورحمته ما وعد عليه.
وعن أبيّ بن كعب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلا قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فقال: بكتاب الله والإسلام.
ومثله ما روي عن أبي سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله. ثم أشار إلى طريق ثالث في إثبات النبوة فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ الآية. وتقريره أنكم تحكمون بحل بعض الأشياء وبحرمة بعضها فإن كان هذا لمجرد التشهي فذلك طريق باطل مهجور بالاتفاق لأدائه إلى التنازع والتشاجر واختلاف الآراء وافتراق الأهواء، وإن كان لأنه حكم الله فيكم فبم عرفتم ذلك فإن كان بقول رسول أرسله إليكم فقد اعترفتم بصحة النبوة وإلا كان افتراء على الله. وفي الآية أيضا إشارة إلى فساد طريقتهم في شرائعهم وأحكامهم من تحريم السوائب والبحائر وقولهم: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ [الأنعام: ١٣٨] وغير ذلك. وما أَنْزَلَ الجملة في محل الرفع بالابتداء وخبره آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ وقُلْ مكرر للتأكيد والرابط محذوف، ومجموع المبتدأ والخبر متعلق ب أَرَأَيْتُمْ والمعنى أخبروني الذي أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا آلله أذن لكم في تحريمه وتحليله أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وعن الزجاج أن «ما» في ما أَنْزَلَ بمعنى الاستفهام منصوبا ب أَنْزَلَ وأنه مع معموله مفعول أَرَأَيْتُمْ معناه أخبرونيه. وعلى هذا يكون قُلْ آللَّهُ كلاما مستأنفا. ومعنى أنزل خلق وأنشأ كقوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر: ٦] وذلك أن كل ما في الأرض من زرع أو ضرع فإنه بسبب الماء النازل من السماء. قال في الكشاف: ويجوز أن تكون الهمزة في آللَّهُ للإنكار و «أم» منقطعة بمعنى «بل» أتفترون على الله تقريرا للافتراء. ثم قال: وَما ظَنُّ الَّذِينَ يعني أي شيء ظنهم في ذلك اليوم وما يصنع بهم فيه؟ وهو في صورة الاستعلام ولكن المراد تعظيم وعيد من يفتري على الله حيث أبهم أمره وكفى به زاجرا للمفتي في الأحكام بغير علم فليتق الله وليصمت لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ إذ أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بإرسال النبي وتعليم الشرائع وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ هذه النعمة بجحد نبيه أو مخالفته.
[التأويل:]
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ صم آذان القلوب أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ عمي أبصار البصائر. ويوم نحشرهم حشر العوام خروج أجسادهم من القبور إلى المحشر، وحشر الخواص خروج أرواحهم الأخروية من قبور أجسادهم الدنيوية بالسير والسلوك، وحشر الأخص خروجهم من قبور الأنانية الروحانية إلى هوية الربانية كما قال: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ [مريم: ٨٥] كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار لأنه لا نسبة لمدة الدنيا إلى ما بين الأزل والأبد. يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعرفون تفاوت مقامات كل صنف من