للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومئذ كانت معادا له شأن لغلبة المسلمين وظهور عز الإسلام وأهله وذل أهل الشرك وحزبه والسورة مكية. فقيل: وعده وهو بمكة في أذى من أهلها أنه مهاجر بالنبي منها ويعيده إليها في ظفر ودولة. وقيل: نزلت عليه هذه الآية حين بلغ الجحفة في مهاجره وقد اشتاق إلى وطنه. وفي الآية إخبار عن الغيب وقد وقع كما أخبر فيكون فيه إعجاز دال على نبوّته.

وحين وعد رسوله الردّ إلى المعاد المعتبر قال قُلْ لأهل الشرك رَبِّي أَعْلَمُ يعني نفسه وإياهم بما يستحقه كل من الفريقين في معاده، ولا يخفى أن هذا كلام منصف واثق بصدقه وحقيته. ثم ذكر رسوله ما أنعم به عليه فقال وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً قال أهل العربية: هذا الاستثناء محمول على المعنى كأنه قيل: وما ألقى إليك الكتاب إلا لأجل الرحمة، أو «إلا» بمعنى «لكن» أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك. ثم نهاه عن اتباع أهواء أهل الشرك وقد مرّ مرارا أن مثل هذا النهي من باب التهييج له ولأمته.

ثم إن مرجع الكل إليه فقال كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم أي يعدم كل شيء سواه، والوجه يعبر به عن الذات، ومنهم من فسر الهلاك بخروجه عن كونه منتفعا به منفعته الخاصة به إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء كما يقال «هلك الثوب وهلك المتاع» وقال أهل التحقيق: معنى الهلاك كونه في حيز الإمكان غير مستحق للوجود ولا للعدم من عند ذاته، وإن سميت المعدوم شيئا فممتنع الوجود أحق كل شيء بأن يسمى هالكا.

استدلت المعتزلة بالآية على أن الجنة والنار غير مخلوقتين لأنهما لو كانتا مخلوقتين لعرض لهما الفناء بحكم الآية، وهذا يناقض قوله أُكُلُها دائِمٌ [الرعد: ٣٥] وعورض بقوله أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣] وأُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [آل عمران: ١٣١] ويحتمل أن يقال الكل بمعنى الأكثر ومن هناك قال الضحاك: كل شيء هالك إلا الله والعرش والجنة والنار. وقيل:

إلا العلماء فإن علمهم باق. ويمكن أن يقال إن زمان فناء الجنة لما كان قليلا بالنسبة إلى زمان بقائها فلا جرم أطلق لفظ الدوام عليه ومن فسر الهلاك بالإمكان فلا إشكال والله أعلم.

[التأويل:]

أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ ليل الفراق عند استيلاء ظلمة البشرية سَرْمَداً مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ نهار الوصل والتجلي قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ نهار الوصل بطلوع شمس التجلي سَرْمَداً مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ سر تسكنون فيه عن وعثاء سطوة التجلي وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ليل السر ونهار التجلي فإن العاشق لو دام في التجلي كاد يستهلك وجوده،

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول «إنه ليغان على قلبي»

وقال لعائشة: كلميني يا حميراء.

وذلك لتخرجه من سطوات شمس التجلي إلى سر ظل البشرية ليستريح من التعب والنصب. وليس هذا السر من قبيل الحجاب وإنما هو من جملة الرحمة واللطف

<<  <  ج: ص:  >  >>