يخصه بهذا المنصب الشريف قضاء لحقوق الإخاء، فمن منع المستوجبين فقد ظلم وكان أفصح منه لسانا وأكبر سنا وألين جانبا. قال جار الله: وَزِيراً وهارُونَ مفعولا اجْعَلْ قدم ثانيهما عناية بأمر الوزارة، أو لِي ووَزِيراً مفعولان هارُونَ عطف بيان للوزير وأَخِي في الوجهين بدل من هارُونَ أو عطف بيان آخر. وقيل: يجوز فيمن قرأ اشْدُدْ على الأمر أن يجعل أَخِي مرفوعا على الابتداء واشْدُدْ خبره فيوقف على هارُونَ وشد الأزر به عبارة عن تقويته به وأن يجعله ناصرا له فيما عسى يرد عليه من الشدائد والخطوب، بل يجعله وسيلة له في أمر النبوة وطريق الرسالة لأنه صرح بذلك في قوله وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. ثم ذكر غاية الأدعية فإن المقصد الأسنى هو الاستغراق في بحر التوحيد ونفي الإشراك، فإن التعاون مهيج الرغبات ومسهل سلوك سبل الخيرات فقال كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً أي تسبيحا كثيرا وَنَذْكُرَكَ ذكرا كَثِيراً وقدم التسبيح وهو التنزيه لأن النفي مقدم على الإثبات، فبالأول تزول العقائد الفاسدة، وبالثاني ترتسم النقوش الحسنة المفيدة. ثم ختم الأدعية بقوله إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً
وفيه فوائد منها:
أنه فوض استجابة الدعوات إلى عمله بأحوالهما وأنهما بصدد أهلية الإجابة أم لا، وفيه من حسن الأدب ما لا يخفى. ومنها أنه عرض فقره واحتياجه على علمه وأنه مفتقر إلى التعاون والتعاضد ولهذا سأل ما سأل. ومنها أنه أعلم بأحوال أخيه هل يصلح لوزارته أم لا، وأن وزارته هل تصير سببا لكثرة التسبيح والذكر. وحين راعى من دقائق الأدب وأنواع حسن الطلب ما يجب رعايته فلا جرم أجاب الله تعالى مطالبه وأنجح مآربه قائلا قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ والسؤل بمعنى المسئول كالخبز بمعنى المخبوز والأكل بمعنى المأكول.
وزيادة قوله يا مُوسى بعد رعاية الفاصلة لأجل كمال التمييز والتعيين والله أعلم.
بمصالح عبيده.
[التأويل:]
يا من طاب بطهارته بساط النبوة ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ إلا لتسعد بتخلقك بخلقه ويسعد بسببك الأولون والآخرون من أهل السموات وأهل الأرضين.
تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ أرض بشريتك وسموات روحانيتك التي هي أعلى الموجودات الممكنات كما
قال «أول ما خلق الله روحي» .
استوى بصفة الرحمانية على عرش قلبك ليكون معه وقت لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل: لَهُ ما فِي السَّماواتِ الروحانية من الصفات الحميدة وَما فِي الْأَرْضِ البشرية من الصفات الذميمة وَما بَيْنَهُما أي بين سماء الروح وأرض النفس وهو القلب بما فيه من الإيمان والإيقان والصدق والإخلاص وَما تَحْتَ الثَّرى أي ما هو مركوز في جبلة الإنسانية: وَإِنْ تَجْهَرْ